حين دفع إلي بديوانه (من اللاشيء) طالبًا مني أن أطلع عليه، متمنيًا أن أقدم له بسطور يضعها في بداية ديوانه، عادت بي الذاكرة إلى لقائي الأول معه منذ سنتين، يومها قرأ عليّ أبياتًا لم تسلم من هفوات الوزن، غير أنها لم تخفِ وراءها موهبة تنبئ بشاعر سيكون له شأن في عالم الأدب.

وإذا كانت الموهبة قدرًا من الله، فإن الاهتمام بها والعمل على صقلها يحتاج من صاحبها أن تكون موهبته تلك محور اهتماماته، ومدار حياته، وقد كانت عند (يامن خليل) كما ينبغي لها أن تكون.

في فترة قياسية استطاع الشاعر أن يمتلك ناصية اللغة متخذًا من الأنموذج الشعري الجاهلي مثالًا يحتذى، سابرًا أغوار القصيدة، لغةً وبيانًا وبلاغةً وتصويرًا، فاكتشف عوالمها وفهم أسرارها ثم منحها من روحه وتجربته ما جعل النص الشعري يقف على أطلال الماضي شكلًا ويبحر في الحاضر مضمونًا.

لست هنا في مقام المدح والتقريظ، ولا في مقام النقد والتحليل، فالنص الشعري بين أيدي القراء، ولهم الحكم له أو عليه، وهم – دون سواهم – من يمنحون  الشاعر جواز مروره إلى عوالمهم، أو يحجبون عنه نعمة الوصول هذه، ولكنني هنا لأقدم أنموذجًا فريدًا لشاعر لم يقبل بالضعف، ولم يركن إلى الراحة، ولم يستسلم للأمنيات، ولكنه وقف على بوابة الحلم وهو يدرك أن الوصول يحتاج إرادة قوية لا تلين، وعزيمة لا تفتر، فدك أسوار المستحيل بقبضة الإرادة، وتربع على عرش قصيدته معلنًا أن من لا يبذل في سبيل القصيدة نبض قلبه، فإنه لا يستحق أن يعيش في عوالمها الساحرة.

إنه ( من اللا شيء) ديوان من الشعر يحملك إلى الزمن الذهبي للشعر العربي، ومع امتلاك القصائد كل مقومات القوة، فإن ذلك لن يمنعك أن تهمس في أذن الشاعر وأنت تقرأ قصائد ديوانه قائلًا.. ” اقترب مني أكثر، واكسر حواجز اللغة القديمة التي غربتني أحيانًا عن قصائدك.. لتكون لي.. بل لتكون أنا”.”

* الشاعر ياسر الأقرع