تأثر النقد العربي المعاصر بالتعديلات الكبرى التي طالت النقد الإيديولوجي ، لدى مثقفين عرب جدد من ، أعادوا تقدير قيمة المعنى والمبنى في العمل الفني في ضوء مجتمعه وثقافته الخاصة . وأعيد عناصر هامة مثل التقاليد والإنسان والتاريخ والمجتمع ، وهي تفعل فعلها في الشكل الإيديولوجي ، بل إن نقاد ما بعد الحداثة ، ممن ينضوون تحت لواء النزعات الإنسانية ، دعوا إلى الانتفاع من الثقافة الشعبية في تقعيد بنية النص الأدبي ، لأن الإنتاج الأدبي في شكله ، متميز عن المضمون والواضح للعمل الأدبي .
مارس الخطاب العربي النقد الثقافي ، بمفهوم الموسوعية ، لكن النقد الثقافي بمرجعياته الغربية والأنجلو أمريكية ، مورس في الوقت الراهن أيضا . كذلك نجد في المشهد العربي علامات ثقافية من المشرق والمغرب ، وكذا بعض الكتابات التي تنحو منحى ثقافيا ، من بعيد أو من قريب من مختلف الاتجاهات التيارات والثقافات . هؤلاء جميعا مارسوا النقد الثقافي من منطلقات متعددة : التاريخي الموسوعي ، الحداثي وما بعد الحداثي ، الكولونيالي والوطنياتي المقاوم ، جلية الأنا والآخر ، والهوياتي والمختلف ، الثوري والنضالي . الأنثروبولوجي والإثني ، والأسطوري ، والثقافي . وكل ما يتعلق بالثقافة والسياسة والثقافة ، والفنون والإعلام .
ثم امتلأت الساحة العربية العامة بنصوص وكتابات ومقاربات ” النقد الثقافي ” ، وشغلت بها الثقافة العربية ، وتكاثرت المجلات والبحوث والمقالات والكتب ، في نقل معالم التيارات المختلفة للنقد الثقافي ، ونصوص أعلامها والكشف عن كتاباتها المعروفة وغير المعروفة ، ونقد بعضها لبعض ، وتطبيق أدواتها ومناهجها على مجالات عدة .
لقد عرفت الثقافة العربية المعاصرة منطلقات النقد الثقافي ، وترجم عدد من نصوصه وكثير من الدراسات حوله ، وشروح عليه للتعريف بمنطلقاته وتطبيق منهجه ؛ سواء في النقد الأدبي ، أو السوسيولوجيا . وقد نهض بهذا أسماء لامعة من الباحثين ، وأساتذة الجامعات والمفكرين العرب من أقطار عربية كثيرة ، يمكننا القول إن النقد الثقافي ، قد أصبح جزءا من متن النص النقدي العربي المعاصر، وانتقلت نظريته من الغياب إلى الحضور ، وتحولت أفكاره من المسكوت إلى المعلن عنه ، ومن اللا مفكر فيه إلى المنقول منه .
وهكذا سوف نعرض لبعض نقاد الأدب ، الذين اهتموا بالبعد الثقافي في عملهم النقدي الأدبي ، على نحو ما نعرض لنقاد الثقافة ، الذين امتد عملهم النقدي الفاحص / الفلسفي ، ليهتم اهتماما جوهريا بمسائل اللغة والتراث والجمهور ، والسينما والمسرح ، والصورة والإعلام ، والثقافة والمجتمع ، والسياسة والثقافة . إلى جانب الشعر والأدب والنقد بوصفها مفردات أساسية ، تتشكل منها الثقافة وتشكلها .
لا شك أن موضوع الإبداع النسائي ، يطرح لأنه يشكل ظاهرة غير مألوفة في التاريخ الأدبي والفني في العالم بأسره ، وليس لدينا وحدنا نحن العرب .ولهذا لا يوجد مصطلح مقابل للإبداع النسائي ، أي إبداع رجالي .غير أن هذه الظاهرة التي كانت تبدو استثنائية وغريبة حتى القرن التاسع عشر في كل الثقافات ، غدت مألوفة في القرن العشرين ، الذي أبرز من النساء المبدعات في الأدب والفن وكل حقول المعرفة ، ما يفوق بكثير عدد من برزن في تاريخ البشرية بأسره .
وقد أكد القرن العشرون ، الذي قطعت فيه المرأة في ثقافات عديدة وفي الغرب خصوصا ، شوطا بعيدا في طريق نيل حريتها وتحقيق استقلالها ، ومشاركتها الفعلية البناءة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية ، أكد أن تقصير المرأة في العصور السابقة في مجالات الإبداع لم يكن بسبب قصور ذهني أو ضعف جسدي ، كما كان شائعا القول في الماضي .لقد كان تقصير المرأة في الإسهام في وجوه الحياة العلمية والعملية : إدراكا وإبداعا ، بسبب ما تعرضت له عبر القرون من قهر نفسي وقمع فكري واستغلال جسدي ، وما فرض عليها من حياة ضحلة ، خارج رحاب المعرفة والحياة الاجتماعية والاقتصادية .
وها هي ذي قضية تحرير المرأة في المجتمعات البطريكية ، والبطريكية المحدثة ، تدخل في سجالات التفكيكية وما بعد الحداثة ، في نقد النزعات التمركزية الذكورية ، ونقضها في المجتمعات المعاصرة .فإن قضية تحرير المرأة تختلط فيها النزعة الإنسانية ، التي تجد فيها المرأة نموذج الإنسان المتكامل عقلا وروحا وجسدا .
تلك الحركة النقدية النسوية الغربية ، وجدت صداها في كتابات عدد من النساء العربيات منذ سبعينات القرن العشرين ، وإن أمكن القول بأنها لم تتحول إلى حركة نقدية متكاملة في المشهد الثقافي العربي المعاصر .ولعل ذلك يعود إلى كونها كانت أكثر بروزا في كتابات المبدعات عن أدبهن وأدب زميلاتهن مما هي في الكتابات النقدية العربية .
غير أن حضور هذه القضية في حياتنا الثقافية ، يفرض معالجتها ويستدعي طرح عدد من الأسئلة النقدية :
هل الأعمال الأدبية التي تبدعها المرأة تختلف من حيث هي أدب ، عن الأعمال الأدبية التي يبدعها الرجل ؟ هل يوجد جنس أدبي محدد ، يمكن أن يوسم بالإبداع النسائي ؟ إذا كانت المراة تبدع ضمن منطق الأجناس الأدبية المتعارف عليها بين النقاد والقراء ، هل تتحول المرأة في إبداعها بطبيعة هذه الأجناس من حيث هي أجناس أدبية ؟
هل تفيد دراسة ما يسمى بالإبداع النسائي في التعريف يصورة أعمق وأوثق بمفهوم الإبداع ؟ واليوم ما تزال المرأة العربية تناضل لتحقيق الصيغة الإنسانية الحقيقية للحياة ، وهي الحرية والمساواة بالرجل في الحقوق والواجبات ، وقد قطعت في عدد من البلدان العربية شوطا لا يستهان به في طريق شاقة وطويلة .
لقد تصالحت أكثر الكاتبات مع العقم الروحي والفكري والفني بالزواج وبالإخصاب البيولوجي .إن الواقع المادي يبتسم للبرجوازيات بكل ما في المال والمتعة من إغراء ، فيعجزن عن المقاومة ، ويخلعن عنهن ريش أجنحة الصقور ، ويهبطن إلى مستوى طائر حمام أليف .ولا شك أن تدني أو فشل المستوى النقدي عند الكاتبات ، يعود إلى ذلك القيد على حرية المرأة ، الذي لم يتجرأن على كسره وبالأحرى صعب عليهن كسره
اقتحم عدد من النقاد الجدد موضوع ” العلاقة بين الأسطورة والنقد ” ، الذي يقدم مفتاحا جديدا للنقد الأدبي ، ويطلق على هذه المجموعة من النقاد اسم” نقاد الأسطورة ” ، تأثروا أشد التأثر بالدراسات الأنثروبولوجيا ، التي نمت في السنوات الخمس الأولى من القرن الماضي ، وكان أشد ما أثر فيهم، إعادة اكتشاف العلاقة بين الأسطورة والطقوس والشعر ، تعد أشكالا من التعبير موجودة في بداية أية حضارة ، وأن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات ، هو القدرة على إبداع هذه الأشكال من التعبير ، التي تنمو ” الحالة الإنسانية ” في ظلها وبتأثيرها .
أثر النقد الأسطوري في اتجاهات النقد العربي المعاصر ، كما أثر في الشعر الرمزي ؛ فقد أسفرت الحركة الرمزية في الأدب عن اهتمام متزايد بالنماذج العليا للإنسان البدائي .وخاصة الأساطير التي بعبر بها من خلال نفسه ، وقد ثبت أن هذه الأساطير ليست مجرد حكايات طفولية أو لامعقولة ، وإنما تجسيد للحقيقة كما انطبعت في ذهن الإنسان البدائي ، لتفسير الكون ومختلف القوى التي تحكمه ، أننا لا ننكر دور الأساطير في آداب الشعوب وفنونها قديما وحديثا ، إنها ما تزال إلى الآن منبعا غزيرا ، يستقي منه الأدباء والرسامون والمثالون ، وغلبت قديما على الشعر الملحمي والمسرحيات المأساوية .
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.