هذا (مُعْجَم شواهِدِ الأفْعالِ المَزيدَةِ عِنْدَ مِئَةٍ وَخَمْسَةِ شُعَراءَ جاهِليّينَ وَمُخَضْرَمينَ)، قَدْ خَرَجَ إلى النُّورِ، بَعْدَما ظَلَّتْ فِكْرَتُهُ حِيناً مِن الدَّهْرِ تَطْفُو، وَطَوْراً تَـمَّلِسُ، وَعَذيري في تَرَدُّدي التَّوَجُّسُ مِن الخَوضِ في عَمَلٍ مُرْهِقٍ، حَتّى أوْشَكْتُ أنْ أَرْضى مِن الغَنيمَةِ بِالإيابِ
وَلكِنْ، ظلَّتْ الفِكْرَةُ كالخاطِرِ يَجُولُ في نَفْسي، ثُمَّ صارَتْ هاجِساً يُلاحِقُني، وَحَتّى لا يَذْهَبَ ريحُ المُبْتَغى، أو تُـخْبى جُذْوَتُهُ، اشرأبَّت النَّفْسُ – وَالأمَلُ يَحْدُوها – إلى تَحْقيقِ الفِكْرَةِ واقِعاً، فاغْتَنَمْتُ الفُرْصَةَ، وَتَلَبَّـبْتُ عَنْ ساعِدِ الجِدِّ، مُتَلَدِّداً بِأيِّ ديوانٍ شِعْريٍّ أبْدَأُ، ثُمَّ ما لَبِثْتُ أنْ شَرَعْتُ بِالتَّنْقيبِ في الدّواوينِ الشِّعْريَّةِ، وَانْغَمَسْتُ فيها، حَتّى ألْفَيْتُ الشَّواهِدَ لِداتٍ يَأْتينَ سَعْياً، إذ كانَ كُلُّ جَذْرٍ لُغَويٍّ يُخْرِجُ شَطْأَهُ مِن الأفْعالِ المَزيدَةِ، فَالْتَهَمَتْ بِذَلِكَ صَفَحاتٍ عَديدَةً، حَتّى اسْتَغْلَظَ العَمَلُ، وَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ
وَلا يَخْفى عَلى مَنْ يَنْبَرِي إلى النُّهوضِ بِمِثْلِ هَذهِ الأعْمالِ حَجْمُ المَشَقَّةِ الّتي تَعْتَوِرُ المَرْءَ؛ لِذا فإنَّني أقِرُّ بأنَّ مَسيرَةَ صُنْعِ العَمَلِ مَرَّتْ بِـمَراحِلَ مُتَقَطِّعَةٍ؛ نَظراً لِـمُشْغِلاتِ الحياةِ، الّتي فَتَقَتْني عَنْهُ غَيرَ مَرَّةٍ، حَتّى أُصِبْتُ بِفَتْرَةٍ بَعْدَ شِرَّةٍ، وَظَلَلْتُ أَعيشُ حالَةً مِن المدِّ وَالـجَزْرِ، فَأيّاماً أَتَوَقَّفُ وَيوماً أَسْتَأْنِفُ، إلى أنْ وَضَعْتُ حَدّاً لِـهذا التَّصَرُّمِ، فتَأَرْتُ عَلى العَمَلِ بِـجدٍّ وَعَزيمَةٍ، وَوَهَبْتُ كُلَّ أوْقاتي لِتَحْقيقِ المُراِد، سَحابَةَ النَّهارَ وَقِطْعاً مِن اللَيلِ، دُونَ أنْ أَمْنَحَ نَفْسي نَصيباً مِن الـجَمامِ، حَتّى أَنْـهَيتُ آخِرَ حَرْفٍ فِيهِ، بَعْدَ أنْ سَلَخْتُ أَيّاماً دَأَباً، لَقِيتُ خِلالَها نَصَباً، فكانَ حَـمْلُ العَمَلِ وَفِصالُهِ عامينِ، أَمَنَّني الجهدُ خِلالَهُما، وَشارَفَ الإيـْجافُ عَلى الإِعْجافِ، لكنَّني في الوَقْتِ عَيْنِهِ لَمْ أَتَعَجَّل القِطافَ
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.