دراسة استقبال مجمل نصوص النظريات الغربية ، التي وردت إلينا من لغات أوروبية وكيفية تلقيها وترجمتها ، ومظاهر تطبيقاتها في الخطاب العربي النقدي ، تحتاج من الدارسين المقارنين الكثير من الاهتمام وبذل الجهد ، من أجل رصدها وإبرازها ، وجعلها موثقة ميسرة مفهرسة . وانطلاقا من تلك الجهود الفردية المحمودة ، التي تحاول لفت النظر واستثارة الهمم ، تأتي هذه المحاولة التي تطمح إلى الإحاطة والشمول في المقاربة ، إن هذه النوع من الدراسة ينضوي تحت لواء النقد المقارن ، ويستخدم التقنيات الاستقبالية ، ونظرية التلقي ، وتقنيات نقد الترجمة الأدبية ، سعيا إلى رصد مظاهر تجليات النظريات الغربية في الخطاب النقدي العربي : نظرية ، وترجمة ، وتطبيقا .
ومع أن المبادرات الفردية كانت وراء ترجمة هذه الأعمال الحديثة وغيرها ، فقد اتفقت هذه المبادرات – دون تخطيط سابق واضح – على إبراز الجانب السوسيولوجي أو الاجتماعي ، من خلال اختيار الأعمال المترجمة ، فالمترجمات السابقة لا تحمل قيمة فنية كبيرة في معظمها ، وإنما تحمل صورا للحياة العربية والتربية الاجتماعية ، في مظاهرها الحديثة ، وكلها مظاهر متأثرة بالقيم الغربية ، ومعبرة عما سمى ” صراع الثقافات ” ، وهو موضوع أثير في الدراسات الأوروبية المقارنة ، أدبية واجتماعية .
ومعنى هذا أن ما ترجمته أوروبا من أدبنا الحديث في الفرنسية والإنجليزية ، يعد قليلا أو أقل من القليل . وقد خضع هذا القليل ذاته لعملية انتقائية دقيقة ، وتحكمت فيه عقدة التفوق الغربي . ولعل النتاج العربي طفا على تدفق النفط ، ووصل إلى قراء الفرنسية والإنجليزية وغيرهما ، في حوار الاقتصاد والسياسة . وهذا صحيح إلى حد ما ، ولكن الأصح منه أن هذا الأدب أصبح ناضجا إلى الدرجة ، التي يمكن أن تجذب المتذوقين لثماره ، حتى في القوالب والأشكال الفنية التي لم تكن معروفة في العصور السابقة مثل الرواية . وهذا كله لا ينفي بالطبع حقيقة الإقبال ، المتزايد في السنوات الأخيرة ، على ترجمة أعمال الأدب العربي المعاصر ونشرها في أوروبا وأمريكا . ولكن ما زالت أغلبية الكتب المترجمة من هذا الأدب ، تدور في فلك الطرافة والغرابة ، الذي يرجع إلى أيام ترجمة ألف ليلة وليلة .
احتل جنس الملحمة في الترجمات العالمية مكانة ، لا يضاهيها نوع آخر من الأنواع الأدبية الأخرى . عرفت ملحمة ( جلجامش ) العديد من الترجمات إلى اللغات العالمية . وترجمت ملحمتا هوميروس على يد الكثيرين ، وانتشرت عالميا . . كما ترجمت ملحمة فرجيل ” الإنيادة ” . تعتبر ( الرامايانا ) أشهر الملاحم الهندية بعد ( المهابهارتا ) ، وعرفت الملحمتان الكثير من الترجمات . ملحمة شاهنامة للفردوسي نالت حظوة في شتى أرجاء العالم ، وأهم دليل على ذلك ، تلك الترجمات المتعددة التي أنجزت لها . ومن الروائع الكلاسيكية المترجمة إلى العربية ، وإلى أغلب اللغات ( ملحمة بيولف ) الأنجلوساكسونية . ملحمة ( الفردوس المفقود ) ، وقد عرفت طريقها إلى مختلف اللغات عبر الترجمات . وقد كان لملحمة ( أنشودة رولان ) ، أثرها المدوي ، وتناقلتها الشعوب والأمم عبر الترجمات .
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.