د.ا14,19 د.ا7,10

& Advanced Shipping

كانت الثقافة تلعب دوراً هاماً، بل محورياً في عمليات التنمية المجتمعية، وأنها تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تحديد قدرات كل مجتمع على تحقيق التقدم من عدمه، فإن تباين معدلات النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة والحرية بين دولة وأخرى يعكس تفوق بعض الثقافات على بعضها الآخر

ردمك 978-9957-79-1339 التصنيفات:
Guaranteed Safe Checkout

إشكالية التفكير الثقافي

بدأتُ في سبعينات القرن العشرين كتابة مقال أسبوعي بشكل منتظم، وكنت حينئذ أستاذاً في جامعة الكويت. ولما كانت عملية التنمية هي إحدى أهم القضايا التي انشغلتُ بها وقمت بتدريسها في الجامعة، فإنني خصصتُ جزءاً كبيراً من كتاباتي الصحفية لنقد الثقافة العربية، موضحاً أن الدور الذي تلعبه في الجانب الاقتصادي والسياسي من حياة المجتمع العربي يتصف عموماً بالسلبية، ما يجعلها بحاجة ماسة إلى التطوير. إلا أن الكثير من القراء انزعجوا مما ذهبت إليه من آراء، كما انزعج بعض زملائي في الجامعةً، لأنهم كانوا على قناعة في تلك الأيام بأن ثقافتهم هي أفضل الثقافات؛ وهذا يعني عندهم أنه لا يجوز نقدها، ولا ردها. ولما كانت تربية العقل العربي تدفعه إلى رؤية كل نقد للثقافة العربية ذماً لها، ومدحاً للثقافة الغربية، فإن أغلبية الردود والتعليقات على مقالاتي كانت سلبية في مواقفها. مع ذلك، اتفق أغلب من قام بالتعليق على كتاباتي على أن الثقافة مهمة جداً في حياة كل فرد وجماعة وشعب، لأنها تلعب دوراً محورياً في تشكيل شخصية الفرد ومواقفه، والتأثير على مواقف الجماعات والشعوب فيما يتعلق بمعظم القضايا، بما في ذلك قضايا الهوية والعمل والوقت والآخر والحياة والكون.

إن نقد الثقافة العربية التي رضع حليبها كل عربي ليس أمراً سهلاً، لأن كثير من العرب يعتبرون نقد ما يؤمنون به من آراء، وما يذهبون إليه من أقوال بمنزلة الإهانة لذواتهم وعقولهم، وأحياناً خيانة لتراث الأمة العربية وتاريخها. ولذا، حين كثرت الاتهامات لأقوالي وآرائي، وجدت نفسي مضطراً للوقوف عند بعضها، والرد عليها، ما جعلني أحاول اقناع القراء بالنظر إلى المشكلة من خلال ثلاث مداخل: أولاً: حرية الرأي، وفيه سأوضح أن كل إطراء أو نقد لا يعتبر في الصياغة المنطقية للمفاهيم إلا وجهة نظر، تستدعيها عملية تحليل تلك القضية بقواعد معينة. ثانياً، الحاجة إلى النظر في كل قضية من زاويتين على الأقل، وذلك لضمان عدم الوقوع في خطأ جماعي تكون عواقبه وخيمة. فتعدد الآراء يشجع صاحب القرار عادة على الحذر، وذلك كي يترك لنفسه بخط رجعة في حال الشعور بأنه لا يسير على الدرب السليم. وثالثاً، عدم كمال أي شيء، مما يعني أن كل ثقافة لها ايجابياتها، ولها سلبياتها كذلك، وأنه لا توجد ثقافة كاملة في العالم، مما يعني أيضا أنه لا توجد ثقافة تستحوذ على الكمال، وتسمو بطبيعتها على التحليل والنقد.

وبناء على ذلك، قلت: إنه لا يجوز أن يركز كل من يكتب عن الثقافة العربية على الجوانب الايجابية فيها، بل هناك حاجة إلى قيام البعض بالتركيز على الجوانب السلبية فيها أيضاً. ولما كان كل من كتب عن الثقافة العربية في تلك الأيام، قد اتجه إلى التركيز على الجوانب الايجابية دون غيرها، فإنني طلبت من القراء أن يسمحوا لي بالتركيز على الجوانب السلبية، علماً بأنني لم أهمل الجوانب الايجابية في يوم من الأيام. لذلك أقول: إن كل رأي، وكل وجهة نظر، وكل قرار يتعلق بقضية عامة يحتاج منا إلى من يشكك في سلامته من أجل ضمان عدم وقوع الفرد أو الجماعة أو الشعب في خطأ جسيم، قد يكون له أثر خطير على سيرة الفرد ومستقبل الشعب. ومن ثم، فإن الآراء، وكذلك وجهات النظر تختلف من شخص إلى آخر بسبب تباين التجارب الإنسانية في السياقات البشرية، وتأثر نظرة كل إنسان بخلفيته الثقافية ونوعية تعليمة وطبيعة عمله وميوله السياسية والعقائدية. وهذا ما يجعل الإجماع على رأي واحد شبه مستحيل في القضايا الفكرية والاجتماعية، ويفرض على الأقلية أن تقبل رأي الأغلبية وتلتزم به، على أن لا تتخلى عن موقفها وتقوم بتغيير رؤيتها إلى الأشياء إلا عن قناعة. وهذا يتطلب بدوره أن يؤمن الشعب بالديمقراطية كقيمة اجتماعية تكفل حرية الرأي وتحترم الرأي الآخر وترحب به. 

ولما كانت الثقافة تلعب دوراً هاماً، بل محورياً في عمليات التنمية المجتمعية، وأنها تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تحديد قدرات كل مجتمع على تحقيق التقدم من عدمه، فإن تباين معدلات النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة والحرية بين دولة وأخرى يعكس تفوق بعض الثقافات على بعضها الآخر. وهذا يعني أن الثقافات التي تنتمي إليها الشعوب الأكثر تقدماً وحرية وإبداعاً تتميز بتفوق ايجابياتها على سلبياتها، وأن الثقافات التي تنتمي إليها الشعوب المتخلفة من النواحي العلمية والفكرية والاقتصادية تتميز بتفوق سلبياتها على ايجابياتها. وهذا يعني أن الشعوب المتخلفة بحاجة ماسة إلى تطوير ثقافاتها الوطنية في الاتجاه الذي يُمكن الايجابيات من التفوق على السلبيات. ولما كانت شعوب الغرب عامة قد حققت أعلى درجات التقدم في العالم، فإن معنى ذلك أن ايجابيات ثقافاتها تتفوق على سلبياتها بكثير.

إن دراساتي في موضوع الثقافة عامة، وفي مكونات الثقافة العربية خاصة، أقنعتي بعد عمل مضني دام سنوات أن الثقافة العربية بوضعها الراهن لم تعد صالحة لأي زمان ولا لأي مكان. ومع قسوة هذا الحكم، وجرأته، فإنني اعتقد أنه ليس بإمكان أي عالم عربي أو مُستعرب أن ينكر صواب هذا الحكم، لاسيما بعد أن أصبح تخلف العرب أحجية من أحجيات الزمن غير القابلة للحل. ومع ذلك، علينا أن ندرك أن تخلف ثقافة وتقدم ثقافة أخرى، لا يعني أن الثقافة الأولى هي جزء من جينات الشعوب المتخلفة، وأن الثقافة الثانية هي جزء من جينات الشعوب المتقدمة، كما يدعي بعض مفكري الغرب الذين ينطلقون من رؤية عنصرية. إن هذه النظرة العنصرية تأتي في سياق تبرير قيام الغرب بفرض وصايته على الشعوب الفقيرة، ومن أجل تسهيل قيامه باستغلالها والتحكم في مصائرها، كما هو الحال في علاقة معظم الدول العربية مع أمريكا، ومع دول أوروبا ذات التاريخ الحافل بالاستعمار.

الوزن 0,55 كيلوجرام
الأبعاد 17 × 24 سنتيميتر

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “محنة الثقافة العربية”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سلة المشتريات
محنة الثقافة العربية
د.ا14,19 د.ا7,10
Scroll to Top