إنّ المؤسسات التعليمية على اختلاف أنواعها في المجتمعات الحديثة لم تعد تركز على المناهج الدراسية فقط (النظرة الكلاسيكية)، ولا فيما يتعلق بها من معارف ومهارات معرفية، ولكن في نوعية وشكل العلاقات الاجتماعية السائدة داخل المؤسسة لأنّها تعمل على تأكيد وغرس القيم التربوية السائدة مثل: الطاعة، التعاون، الحب، المثابرة …الخ وبطبيعة الحال هي قيم مطلوبة لتحقيق الأمن والاستقرار والعمل فيها. لذا تعد المدرسة مؤسسة اجتماعية تعليمية ذات عناصر تتفاعل فيما بينها على نحو مترابط وشديد التعقيد، وتقوم بتوفير التعليم لأبناء المجتمع وبهذا فهي تقوم بتطوير نفسها بصفة مستمرة، لذلك فإنّ للمدير دور مهم ويجب أن يمتلك وينمي مراراً جملة من المهارات والكفايات، التي تجعل لديه القدرة على توفير مناخ مدرسي مناسب في البيئة التعليمية الأمر الّذي يجعله أن يسهم في مساعدة سير العملية التعليمية وتحسينها، لذلك أصبح من الضروري على مدير المدرسة أن يمتلك المهارات التي تؤهله لكي يكون قائداً تربويا ً فعالاً في مؤسسته ،لذا فإنّ مجال العلاقات الإنسانية مجالا أكثر تعقيدا وأكثر تداخلا، فمن هنا لابد للمدير في تسير شؤون إدارة مدرسته أن يكون أكثر تواصلا وقبولا للتعامل مع العنصر البشري في المؤسسات التربوية، وهذا من خلال تحديده لمدى امتلاكه لجملة من المهارات الإنسانية لكي تؤهله باعتباره مدخلا تربويا يؤثر تأثرا حاسما وبلا شك في مخرجات العملية التعليمية التي تحققها المدرسة من خلال مدى ممارسته لبعض السلوكيات التي تحدد علاقته بأعضاء الفريق التربوي وعلاقته بهذه الأخيرة تتحدّد في مخرجات العملية التعليمية، مما تساعد العلاقة القوية والعميقة بين المدير والمعلم القائمة على الطيبة المبنية على الاحترام والتعاون. لذا يتوجب على المدير أن يقدرّ المعلمين ويحترم ذواتهم وإمكاناتهم ويظهر ذلك في سلوكه في أبعاد عدة منها ما يتعلق بالقيادة، والاتصال وتفويض السلطة، واتخاذ القرار، الروح المعنوية، الحوافز، وتتجسد قوة هذه العلاقة القائمة بين أطراف العملية التعليمية في مخرجاتها وارتفاع نتائجها من خلال ارتفاع الروح المعنوية لمعلميها، غير أن إهمال العلاقات الإنسانية وسيكولوجيتها سيؤدي إلى انخفاض مستوى التعاون وتماسك أطراف العملية التعليمية، وبطبيعة الحال فإن نتائجها ستنعكس على مخرجات العملية التعليمية بالدرجة الأولى وتحصيل التلاميذ، كما يفسر هذا بفشل المدير في بنّاء وتكوين علاقات إنسانية بينه وبين فريقه التربوي، وبين أعضاء الفريق التربوي وبين المعلمين والتلاميذ.
يبقى دور المدرسة كنظام اجتماعي تحكمه علاقات متبادلة بين قائدها ومرؤوسيها، تؤدي فيها العلاقات الإنسانية دورا بارزا في تحديد سلوك الأفراد وتوجهاتهم داخل بنائها الاجتماعي، كما تمثل في حد ذاتها بعداً في تحقيق الأهداف التربوية بصفة عامة وأهداف النظام التعليمي بصفة خاصة.
وبالرغم ما نادت به حركة الإصلاح التربوي في المدرسة الجزائرية منذ 2003 م بضرورة البحث عن مسارات جديدة لتنظيم شؤونها وإدارتها وتوجيه مساراها وتجديد وظائفها في ظل التغيرات المطلوبة، إلا أنّ العلاقات الإنسانية في بعدها الإنساني لم تكن ضمن الموضوعات التي حظيت بالبحث والبرمجة والدراسة رغم أهميتها المستمدة من أهمية العنصر البشري الذي اعتبر في المنظومة التربوية العنصر المفقود في تنميته في ظل التحولات الجديدة .
وهذا ما تطمح إليه من خلال هذا الكتاب الدراسة الحالية بتحديد ممارسات العنصر البشري وما ينعكس عليها باعتباره المورد الحقيقي لأية منظمة، وأحد أهم عناصر الإنتاج فيها إذ يعتبر من أهم مكونات العملية التعليمية وأحد مخرجاتها في البيئة المدرسية نتيجة للتفاعل الاجتماعي الحاصل بين أطراف العملية التعليمية من المعلمين والتلاميذ والعاملين في الإدارة المدرسية استنادا للحتمية التي تفرض ضرورة تفاعل الموارد البشرية وتعاونها في تحقيق أهداف المنظمة.
تناول هذا الكتاب ثلاثة فصول:
الفصل الأول: وتناولنا فيه ماهية العلاقات الإنسانية وذلك من خلال التطرق إلى مفهومها وبعض المفاهيم الخاطئة في العلاقات الإنسانية، ونشأتها في السياق الإسلامي، أهميتها، أهدافها، شروطها، نظريتها ودور المدير في ظلها وكيفية الاستفادة منها في ممارسة الواقع، معوقاتها .
الفصل الثاني: الأبعاد المحددة للعلاقات الإنسانية من القيادة، الاتصال، تفويض السلطة، اتخاذ القرار، الروح المعنوية، الحوافز.
أما الفصل الثالث: فقد تناولنا فيه الإدارة المدرسية من حيث مفهومها ونشأة العلاقات الانسانية وتطورها في التنظيم الإداري والتشريع المدرسي، وأهداف الإدارة المدرسية في ظل الحركات الإنسانية والعناصر المكونة للإدارة المدرسية ومقوماتها، بالإضافة إلى خصائصها ووظائفها ومعايير فاعليتها، كما تطرقنا أيضا إلى مستويات ممارسة العلاقات الإنسانية في جهاز الإدارة المدرسية وأهم نظرياتها، وكذا صعوبات العمل في الإدارة المدرسية، وأخيرا دور الإدارة المدرسية في تهيئة المناخ المناسب للعلاقات الإنسانية، ودورها في تهيئة المناخ المناسب للعلاقات الإنسانية .
ونأمل أن يحقق هذا الكتاب الدفع والفائدة المرجوة منه للباحثين والإداريين والطلبة والمنشغلين بأمور التربية و الإدارة والتسيير الإداري …إلخ .
والله من وراء القصد ،،،
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.