د.ا11,35 د.ا5,68

& Advanced Shipping

     منذ زمن بعيد بدأتُ في مطالعة كتب علم الاجتماع العربية والأجنبية. وقد رأيتُ تلك الكتب تركز على بنية العلاقات الاجتماعية بين الناس وإشكالياتها وتفاصيلها . واستناداً إلى مطالعاتي الكثيفة خطر في بالي أن أؤسس علم اجتماع خاص بالقصيدة ، أو على الأقل وضع بذور وأنوية أساسية لذلك العلم . ومن هذا المنطلق بدأتُ أغذ السير إلى تشكيل هذا العلم لمعرفتي بأهمية القصيدة خصوصاً والأدب عموماً في توجيه دفة المجتمع المادية والمعنوية .

     إنني أسعى إلى تأصيل تأسيسي لرؤيةٍ شموليةٍ تمس القصيدةَ بكل جوانبها. ولما كانت القصيدةُ عَالَمَاً ، فإنني ارتأيتُ الدخولَ في هذا العالَم لأرى بأم عينيَّ ما كنتُ أسمع عنه ، وأكتشفَ التجوال في وسطٍ جامحٍ . أتفاعلُ مع العناصرِ . أَمُرُّ على التقنيات في توليد الرؤى والبناءات المتوالية فاحصاً مميزاً . أختبرُ النص كلمةً كلمةً . فمروري ليس عابراً ، إنه تجريد وتعرية . أضف إلى ذلك عملي المتواصل من أجل إخضاع القصيدة لعلم اجتماعٍ خاص بها له مقوماته الاستقلالية، وأبعاده المادية والذهنية بالغة الخصوصية ، والذهاب إلى ماوراء النص بغية الحصول على صيغة متكاملة لنص علمي مكثف قادر على تفسير النص الأدبي المتمتع بكل خصوصياته .

Guaranteed Safe Checkout

     منذ زمن بعيد بدأتُ في مطالعة كتب علم الاجتماع العربية والأجنبية. وقد رأيتُ تلك الكتب تركز على بنية العلاقات الاجتماعية بين الناس وإشكالياتها وتفاصيلها . واستناداً إلى مطالعاتي الكثيفة خطر في بالي أن أؤسس علم اجتماع خاص بالقصيدة ، أو على الأقل وضع بذور وأنوية أساسية لذلك العلم . ومن هذا المنطلق بدأتُ أغذ السير إلى تشكيل هذا العلم لمعرفتي بأهمية القصيدة خصوصاً والأدب عموماً في توجيه دفة المجتمع المادية والمعنوية .

     إنني أسعى إلى تأصيل تأسيسي لرؤيةٍ شموليةٍ تمس القصيدةَ بكل جوانبها. ولما كانت القصيدةُ عَالَمَاً ، فإنني ارتأيتُ الدخولَ في هذا العالَم لأرى بأم عينيَّ ما كنتُ أسمع عنه ، وأكتشفَ التجوال في وسطٍ جامحٍ . أتفاعلُ مع العناصرِ . أَمُرُّ على التقنيات في توليد الرؤى والبناءات المتوالية فاحصاً مميزاً . أختبرُ النص كلمةً كلمةً . فمروري ليس عابراً ، إنه تجريد وتعرية . أضف إلى ذلك عملي المتواصل من أجل إخضاع القصيدة لعلم اجتماعٍ خاص بها له مقوماته الاستقلالية، وأبعاده المادية والذهنية بالغة الخصوصية ، والذهاب إلى ماوراء النص بغية الحصول على صيغة متكاملة لنص علمي مكثف قادر على تفسير النص الأدبي المتمتع بكل خصوصياته .

     ويمكنني تعريفُ ” علم اجتماع القصيدة ” على أنه (( العلمُ الذي يدرس القصيدةَ على أنها مجتمعٌ متحركٌ ذهنياً وواقعياً، ويقومُ بتشريحه إلى وحداتٍ بدائيةٍ انطلاقاً من ثلاث محطات: الولادة ( الانبعاث)، والشباب ( العنفوان )، والموت ( الانطفاء ) ، مع الانتباه إلى حالات التمايز والدمج، والمجازِ والحقيقة بين هذه المراحل الثلاثة المختلطة إلى درجة الانصهار في بؤرية الحلم المستتِر )) .

     القصيدة هي الثورة الذهنية الواقعية الأكثر قدرة على استشراف الواقع المتخيَّل ، ذلك الواقع المعجون بالطموح الإنساني الواعي الذي تتم عقلنته في كل لحظة سطوع . وبالتالي فحريٌّ بنا أن ندرس القصيدة بوصفها كائناً حياً له صفات خاصة ، ويمر في أطوار مادية وغير مادية متعددة الجوانب . وهذه الأطوار إنما هي تشكيل للقدرات الإشاراتية التي تستشرف مستقبلَ الحلم وتحوله إلى وجهٍ للتاريخ ، وطريقةٍ لفهم تحولات الذات الإنسانية في أعماق تشكيلها الشِّعري .                                                                         

     إن البعض يعتقد أن تطور المجتمعات الإنسانية يستند إلى نهضة تكنولوجية ومادية مجردة من كل

النواحي الأدبية والفنية، وهذا اعتقادٌ موغل في الخرافة الأكيدة لأن الأمم المتطورة تكنولوجياً لا بد

أن تكون متطورة أدبياً وفنياً ، والعكس غير صحيح  . فالأمة العربية والإسلامية تعيش أزمة معرفية

شديدة الوطأة  ،  وهي محاصرة بأشباح التخلف التقني  ،  لكن هذا لا يعني أنها متخلفة حضارياً أو

أدبياً . بل هي على العكس تعج بالمبدعين والعلماء والفلاسفة والأدباء الذين يستطيعون مقارعة أكبر المبدعين في العالم ، والتفوق عليهم بسهولة .

     إننا قَصَّرْنا في صناعة السيارات والطائرات، أي تقاعسنا في النواحي المادية المحضة، لكننا ما زلنا نصنع مجداً أدبياً لافتاً . ومن الأخطاء الفظيعة تصنيف أمتنا في الآداب والعلوم كدرجة عاشرة لأننا متخلفون في مجال التكنولوجيا . إذ لا يوجد معادلة علمية تقتضي بأن الذي لا يتقن صنع الحديد لا يتقن صنع الإنسان .

     وهذا يدفعنا إلى العمل بجد لتشكيل حالة من التوازن بين الناحيتين المعنوية والمادية. فالمجتمع الذي يُنجب فلاسفة بارزين وأدباء متمكنين وعلماء أفذاذاً ، لا بد أن يشحذ همته من أجل صناعة السيارة والطائرة وغير ذلك من الصناعات المادية .

     إن القصيدة هي اختصارٌ مكثف لحالة إنسانية جمعية محلقة في فضاءات أكثر رحابة وتسامحاً وعنفواناً . إنها أساس روحي للنهضة والاندفاع ، وخلفية حضارية متميزة لكل أولئك البشر الذين يحبون مهنتهم الأساسية وهي عبادة اللهِ تعالى ، وإعمار الأرض بوصفهم خلفاء الله فيها .

     وللأسف الشديد فإن عبيد الفكر الغربي من أبناء جلدتنا يعتقدون أن الأدب الناجح هو الذي يسير باتجاه مضاد للدِّين ، وهذا غير صحيح وفق المنهجية العلمية الدقيقة والتمحيص الموضوعي الحر . فالأدب هو نتاج طبيعي للدِّين ، والفن هو ابن الدِّين . واستناداً إلى هذه الحقيقة العلمية نخلص إلى أن القصيدةَ بنيةٌ فكريةٌ نسجها عبدٌ . وإذا لم تعكس القصيدة صورة العبدِ ، فإنها تصبحُ خديعةً بصريةً وسمعيةً مضللة، تصبح خُرافةً تطلبُ من الناسِ أن يسموها حقيقةً. وحين تتكاثفُ الأباطيلُ والخرافاتُ تقضي على النص الشِّعري، وقبل ذلك تُبيدُ صاحبها ، وتحوله إلى تاجرٍ يتداول المحرماتِ ، فيفقد شِعْرُه الثقة به . وتنشأ جراء ذلك عداوةٌ بين اللغةِ والكاتبِ . فنحن نرى مثلاً شعراء كثيرين تاجروا بجسد المرأة وحولوه إلى بنطالٍ قذر على مقاسهم . وهناك من تاجر باسم الوطن والمنافي ، وهو يقضي جل وقته سكران في الفنادق الفخمة . ونجد من اتخذ من كفره وخيانته فلسفةً ومنهجاً وراح يروجه على أنه “الحداثة ” في دنيا الشعر .

     ولكننا لا نرتضي أن نكون مأجورين ولقطاء في عالم الأدب ، نخدم الشيطان من أجل اكتساب معجبة تائهة في عوالم الوهم . القصيدة هي كفرٌ بالطاغوت وإيمان بالله وحده . وهذا هو الانطلاق نحو المجد الإنساني والشِّعري. فالإنسانُ مخلوقٌ عبدٌ ذليلٌ لخالقه، والعبدُ لا يملي شروطه على سيده. بل العبادُ كلهم خاضعون للسيد الكامل برضاهم ورغماً عنهم .  فكيف يكون العبدُ الذي لا يملك

من أمره شيئاً هو المحور والركيزة ؟! .

     ومحالٌ أن تصدر قصيدة جميلة من قلب أعمى ، ورغم هذا فالقصيدة ليست خطبة الجمعة أو موعظة في كنيسة أو كنيس. إنها حلمٌ جامح يستلهم العناصر الجميلة، ويعمل على تثويرها من أجل الرقي بالإنسان إلى مستوى العبودية المحضة، آخذاً بعين الاعتبار النواحي الجمالية والتراكيب الفنية الأصيلة والشروط الإبداعية المتحررة من سطوة التبعية للمشروع الشيطاني الذي يروجه الخائنون من المفتونين بحضارات نفي الإنسانية من الكيان الإنساني .

     وممارسة القصيدة باعتبارها نصاً بشرياً جامعاً لقيم الحياة والموت هي عملية مجدية إنسانياً ، لأن السلوك القصائدي يبث الرؤية الثاقبة في مشروع تنمية القصيدة ، وتطويرها بحيث تصبح كينونة قائمة بذاتها ، تتوافر فيها كل مقومات تدعيم المعنى المتداخل مع القيم الجمالية المطلقة .

     وهذه الكلمات المتجمعة على شكل قصيدة لا تُعنى بالوقائع الاجتماعية من حيث تأريخها ، لأن هذا الأمر ليس من مهمة الشاعر . بل إن الشاعر يسعى بكل ما أُوتي من مهارة وثقافة إلى إعادة تشكيل الواقع وفق منظور شِعري مخيالي قائم بالأساس على استنباط العناصر الثورية ذات الجَمال الفاقع المتشظي إلى تقاطيع حياتية مفصلية ، ومحاور إنسانية تتقاطع مع المنتوج الأدبي الذي يتم اعتباره وجهة واضحة تحدد اتجاه سير المجتمع ككتلة جمعية موحَّدة وموحِّدة للعناصر المشتتة المبعثرة في النصوص الطبيعية الجمالية .

     والقصيدة هي ظاهرة شمولية تعتمد على صياغة الأبعاد المعرفية في قوالب كاسرة للقولبة والتقليدية . يجب وضع النص الأدبي الشِّعري في أقصى مداه ، من أجل الحصول على علاقات متكافئة متمردة على الظلم داخل الكيان النَّصي . وهذا يدفعنا إلى التفتيش في قلب النَّص عن قدرات فاعلة تمتلك المؤهلات لرسم حياة متكاملة في ورشة فنية نظيفة تدعى النص الأدبي . وإذا أَصَّلنا التزاماًَ حقيقياً بالمعايير الفنية فسوف نحصل على نقاش بناء يعيد تشكيل كامل العلاقات الاجتماعية في النَّص المزروع في نزعة الأنسنة بشكل يصعب معه الاجتثاث أو المساس بالجذور الراسخة .

الوزن 0,72 كيلوجرام
الأبعاد 17 × 24 سنتيميتر

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “مدخل إلى علم اجتماع القصيدة”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سلة المشتريات
مدخل إلى علم اجتماع القصيدة
د.ا11,35 د.ا5,68
Scroll to Top