هل غدت فعلا وسائل الاتصال الجديدة أدوات لإقامة الديمقراطية الحديثة على حد وصف دينيس ماكويل ؟ وهل عوضت الإيديولوجية الاتصالية الإيديولوجيات السابقة التي عجزت عن إيجاد التوافق الاجتماعي ؟ وهل تعد هذه الوسائل بحق ملاذا جديدا حسب تعبير فيليب بروتون؟ وما مدى فاعلية هذه التكنولوجيات على إحداث التفاهم و التواصل بين الأفراد في ظل تعاظم ما يسمى بالاتصال ضمن الفضاء العمومي ، و تسرب إيديولوجيته و القيم التي يحملها و يبشر بها إلى المؤسسات المجتمعية مهما كانت طبيعتها ؟
هذه الأسئلة يثيرها الباحثون في الاتصال و كل المهتمين بقضاياه و مسائله، وبالطبع سيجيب هذا الكتاب عن بعض هذه التساؤلات محاولا تلخيص وعرض بعض التحولات المهمة التي أفرزتها وسائل الإعلام والاتصال ، وأحدثت ثورة وانقلابا في المحيطين النفسي والاجتماعي للإنسان المعاصر على حد تعبير مارشال ماكلوهان
لقد نجم عن ظهور ثورة مجتمع الإعلام تعاظم دور المقاربات الاتصالية وهيمنتها على مختلف مناحي حياة الإنسان المعاصر ، الأمر الذي عكس تحولا حضاريا ومجتمعيا جذريا أدى إلى استبدال آليات الهيمنة التقليدية القائمة على الإكراه والقوة بآليات جديدة تعتمد التواصل ،الإقناع ، و التأثير
لقد بدا واضحا أن وسائل الاتصال الحديثة تغلغلت بشدة داخل المجتمعات المعاصرة ، إذ أدت بالأفراد و الجماعات إلى الانخراط بشدة في منظومة الاتصال الجديدة ، لحد جعلهم يتشاركون في تكوين جماعات افتراضية تفاعلية جعلوها بديلا وتعويضا عن جماعات الأهل والأصدقاء ، بل حدا الأمر بالكثير منهم إلى استخدام هذه الوسائل إلى درجة الإفراط والإدمان ، فلم يعد بمقدورهم الاستغناء عنها أو العيش بعيدا عنها
أحدثت وسائل الاتصال الجديدة ثورة عميقة في بنية المجتمعات المعاصرة ، لقد فرضت فعلا تغييرات في كافة أنماط الاتصال الإنساني ، في الثقافات والذهنيات والنفسيات، في أساليب التربية والتعليم ، بل تعدت ذلك إلى تأثيرات أخرى على مستويات كثيرة كتغيير أنماط العلاقات الاجتماعية السائدة ، إذ أوجدت مجموعات افتراضية ظرفية جديدة كمجموعات الفايسبوك ، ماي سبايس…الخ
لقد ظهرت تغييرات بنيوية جذرية أيضا في أنماط وصيغ تسيير المؤسسات والرأسمال البشري فبرز اقتصاد مجتمع المعلومات المبني على تداول ومقايضة المعلومات ، التي يتم استثمارها لتولد المعرفة، وبرزت أيضا تأثيرات بارزة على المستوى السياسي فظهرت تحولات سياسية جديدة على المستويين الوطني والدولي فزخر الفقه السياسي بمفاهيم كثيرة جديدة كالديموقراطية الالكترونية ، تراجع سيادة الدول ، الاتصال السياسي الالكتروني …الخ
تكنولوجيات الاتصال الحديثة أحدثت انقلابا أيضا على المستوى المفاهيمي للإعلام ، إذ أوجدت ممارسات اتصالية جديدة لم تكن موجودة من قبل ، و أثرت معاجم وقواميس علم الإعلام بمصطلحات جديدة” كالافتراضية ، المواطن الصحفي ، المدونة، الصحيفة الالكترونية ، الجمهور المتفاعل النشط “، إذ اختفت بالفعل الحدود الفاصلة بين المرسل والمستقبل ، وأصبح كل جمهور الإنترنت منتِجا للمادة الإعلامية المقدَمة، وهو ما أطلق عليه الخبراء علماء الاتصال ب “ظاهرة المواطن الصحفي”، أو” ظاهرة الإعلام التشاركي. “
يستهدف هذا الكتاب أن يبرز الدور الذي تلعبه وسائل الاتصال الجديدة في حياة الأفراد والمجتمعات ، إذ يستعرض مختلف الأنماط الاتصالية الجديدة التي ظهرت ، كما يحاول سبر أغوار كثير من قضايا وتحولات الإعلام المعاصر ، التي تمس بشكل مباشر حياة الأفراد في العالم بصورة عامة و في المنطقة العربية بشكل اخص ، وقد حاول الكتاب طرح هذه التحولات التي بدأت تظهر على الفضاء الإعلامي بصورة بسيطة وسلسة ، حتى يتسنى للقارئ العربي سواء كان متخصصا أو غير متخصص أن يتعرف على مختلف التغييرات التي شهدتها الساحة الإعلامية المعاصرة ، والتي فرضت نفسها على أجندة اهتمامات الباحثين والمهتمين بحقل علوم الإعلام والاتصال
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.