العنف المجتمعي من وجهة نظر خبراء علم الاجتماع والسلوك والقانون والاطباء النفسيين
الناظر للشأن الاجتماعي في الوطن العربي حاليا، يقرأ عناوين ساخنة، تعكس حالة من التفسخ الاجتماعي بعد انتشار الجريمة داخل الأسرة الواحدة على نطاق واسع .
ومن يقرأ عناوين الصحف، يجد نفسه أنه أصبح معتادا على قراءة أنباء عن ارتكاب جرائم قتل ، لم يكن المرء يتصور أن يسمع عنها ، أو أن يقرأ بها، أو يتخيل أن شخصا ما يمكن أن يقدم على ارتكابها.
من هذه الجرائم ، التي تفشت في داخل نسيج المجتمع العربي، جرائم قتل الأزواج لزوجاتهم ، أو العكس ، فضلا عن جرائم قتل الأبناء لآبائهم ، والعكس أيضا ، وهو ما يعكس خطورة ما يصل إليه مرتكب الجريمة ، داخل الأسرة الواحدة ، أو بين أربابها، الأمر الذي يكون من نتيجته حالة من التفسخ الاجتماعي الذي صارت إليه الأسر، والمجتمع في آن.
هذه الجرائم أصبحت تحمل معها ، خطورة الابتعاد عن الالتزام بروح الدين ، وعدم اتباع أوامره ، فضلا عما تشكله هذه الجرائم من خلخلة في بنية المجتمع ، وتفكيك في نسيج الأسرة الواحدة ، وهو ما يتسبب عنه انزواء لثقافة التسامح ، وتغييب لروح الحوار، حتى أصبح استخدام العنف الاجتماعي هو السبيل لحل الخلافات.
خبراء علم الاجتماع يرجعون ارتكاب هذه الجرائم إلى ارتفاع الأسعار، والبطالة وعدم استطاعه رب الأسرة توفير الاحتياجات الأساسية لأبنائه من مأكل وملبس وتعليم، ما قد يؤدى إلى استخدام الآباء وأبنائهم للعنف في التعامل فيما بينهم من ناحية ، أو مع المجتمع من ناحية أخرى.
وتكشف الدكتورة ايمان شريف قائد، استاذ علم النفس الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن انتشار العنف يرجع إلى أسباب مجتمعية ، وأخرى بيئية منها ارتفاع درجة الحرارة.
هذا المناخ – كما تراه- قد يكون أحد العوامل التي تؤدى إلى ارتفاع معدل العنف لأنه يسبب العصبية كما أن ارتفاع درجات الحرارة كذلك قد يؤدى إلى نشاط زائد يتأثر به مرتكب الجريمة.
وهنا يرى الخبراء أن العنف الناتج عن البيئة، يعد من أشكال العنف السلبي ، الذي يمارسه البعض بفعل مؤثرات خارجية وغير مباشرة ، وهى العوامل الناتجة عن البيئة،بفعل ما تسببه البيئة من إزعاج وتلوث ، والتي ترتفع معها معدلات العنف والجريمة.
وترصد الدكتورة شريف أنواعا لاستخدام العنف الاجتماعي ، وأن “كل نوع من أنواعه، له سبب مع اندراج كافه أنواع العنف تحت مظلة المجتمع، وأن أقدم أنواع العنف هو العنف الأسرى، فالأسرة هي منبع العنف أو المسبب الرئيسي له وأول جريمة في التاريخ كانت من داخل الأسرة التي تؤثر على حياة الفرد منذ أن كان جنينا في بطن أمه”.
وترى أننا “قد نرى عائلات مميزة نحكم عليها من الظاهر في حين أنه لا أحد يعلم بما يحدث خلف الأبواب المغلقة والرفاهية الشديدة عند التنشئة التي قد تسبب كوارث عند الكبر”. مستشهدة في ذلك بالمهندس المصري الذي قتل زوجته وأبناؤه بعد إفلاسه خوفا عليهم من الفقر!
ومن أنواع العنف الأخرى، والتي يراها خبراء علم الاجتماع تلك الواقعة داخل المؤسسة الاجتماعية أو المهنية الواحدة ، وذلك عندما يفضل مدير عامل عن آخر مما يؤدى إلى حالة من الحقد والحنق بين أفراد الأسرة داخل مؤسسة العمل ، ما قد يؤدي إلى لجوء بعض الأفراد إلى العنف سواء تجاه المدير أو الزميل، مثل ما حدث مؤخرا مع سائق شركة “المقاولون العرب” الوطنية، الذي عبر عما بداخله تجاه أحد موظفي الشركة بإطلاق النار عليه هو وعدد من زملائه.
وهناك أشكال أخرى من العنف، من الصعب أن يتم نعت المجتمع المصري بها فقط ، إذ أنها تنسحب إلى مواقع أخرى كثيرة من دول العالم . مثل العنف في الملاعب ، وما تشهده من محاولات شغب، وخاصة في مباريات البطولات الدولية ، نتيجة لعدم احترام الآخر ، ورفض فكرة فوز الآخر، وهزيمة الذات.
ومن مسببات العنف ، منه ما يكون عن طريق الوراثة ، فحينما تؤسس أسرة لمنهج العنف بشكل غير مباشر، حينما يرى فيها الطفل أباه يضرب أمه ، فيتعلم أن ذلك أمرا طبيعيا ويمارسه بالوراثة.
ومنه أيضا الإحباط ، فعندما لا يستطيع الفرد تحقيق هدفه فقد يخرج ما بداخله من غضب في صورة عنف في التعامل مع الآخر، بالإضافة إلى ما قد يكون سائدا في المجتمع، الذي يعلم الفرد بأن يأخذ حقه باستخدام العنف مثل “من ضربك فلتضربه”، وهو ما يتطلب توجيه المجتمع من خلال كافه مؤسساته إلى كيفيه التعامل والتنفيس عن الغضب بطرق صحيحة .
وبالإضافة لما سبق ، فان الأخطر هو الدور الذي تلعبه أجهزة ووسائل الإعلام المختلفة من نشر ثقافة العنف بين جمهور الرأي العام ، مما يكون له أبلغ الأثر في ردود فعل سلبية وغير ايجابية ، والتي قد تعمل على إثارة حالة من الحنق بين المواطنين ، والسعي إلى الثراء السريع ومظاهر الحياة الجذابة التي يمكن بدون تحقيقها أن يسبب هذا التأثير الإعلامي حالة من الإحباط ، مما يتطلب في المقابل توعية دينية للتمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق العامة، والالتزام بالسياج الأسري والمجتمعي.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.