تعد المرحلة الجامعية مرحلة حاسمة للشباب من حيث التطلع نحو مستقبل حياتهم المهنية والأسرية، وفيها تتحدد الأهداف والسعي نحو تحقيقها في عالم متغير متقلب اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. مما ينعكس على الأمن النفسي للشباب، ولا شك أن الشباب هو عدة المستقبل لأي مجتمع من المجتمعات يطمح نحو مستقبل أفضل، فهو الرصيد الأساسي لكل أمة وعمادها المتين من القوى البشرية. وقطاع الشباب لا يوجد في معزل عن مجريات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من حوله، لذلك فدوره يؤثر في هذه المجريات ويتأثر بها مما ينعكس على سلوكه وأخلاقياته وشبكة علاقاته الاجتماعية وانتماءاته
ويعد العنف الجامعي من أخطر المشكلات التي تواجه أطراف العملية التربوية والطلبة أنفسهم على اعتبار أن العنف بأشكاله المختلفة والموجة ضد الطلاب أو المدرسين من الأمور التي تهدد سير العملية التربوية بمجملها
وقد بدأت تتصاعد حدّة المشكلات السلوكية والانحرافات والمخالفات في الجامعات واستغلال الطلاب للحرّية المتاحة لهم وارتياد الشباب للمقاهي وتناول بعض الحبوب والمخدرات واستخدام العنف وضرب الطلبة لزملائهم، ممّا أدى في إحدى السنوات إلى تعرض أحد الطلبة للقتل على يد بعض زملائه بالجامعة. وقد أدى هذا كله في الآونة الأخيرة إلى ضعف المستوى التعليمي وضعف الاهتمام بالتعليم وضعف الانضباط الجامعي وقلّة وقت التعليم بالإضافة إلى إتلاف الممتلكات الجامعية وحتى العامة
وانتشرت في جامعاتنا خلال الفترة الأخيرة ظاهرة غريبة عن المجتمع الجامعي، وهي ظاهرة العنف، والتي ألقت بظلالها على المشهد الوطني من شماله، حيث جامعة اليرموك، إلى جنوبه، حيث جامعة مؤتة وجامعة الحسين بن طلال، مروراً بالوسط حيث الجامعة الأردنية وجامعة البلقاء التطبيقية وغيرها من الجامعات الحكومية والخاصة. حتى وصل عدد المشاجرات الطلابية خلال شهري آذار ونيسان 2013م أكثر من 30 مشاجرة أودت بحياة 6 مواطنين
وقد وصل الأمر إلى أن يتدخل جلالة الملك عبد الله الثاني شخصياً لوضع حد لهذه الظاهرة المجتمعية والجامعية التي أصبحت تهدد أمن الأردن وسلامته وسلامة طلبته ومواطنيه. وقد ساهم هذا في تغيير الصورة الإيجابية للتعليم العالي في الأردن والتي كنا نفخر بها ونتميز بها على المستوى العربي وربما الدولي
عندما كنت أعمل في جامعة البلقاء التطبيقية (السلط)، قتل أحد طلبتي على يد زميله بطريقة بشعة جداً، وقد ذهبت إلى بيت العزاء وشاهدت حجم المأساة على أسرته وأهل قريته. ومنذ ذلك الوقت وأنا أفكر في إعداد كتاب عن هذه الظاهرة (العنف الجامعي)
وفعلاً بدأت أقرأ وأجمع كل ما له علاقة بالعنف بشكل عام، والعنف الجامعي بشكل خاص. ثم اختفت الظاهرة لبعض الوقت، وفترت همتي في إعداد الكتاب، ثم عاودت الظاهرة الظهور بشكل واضح في جامعة مؤتة وغيرها، فعدت لجمع وإعداد المادة، ثم اختفت الظاهرة لبعض الوقت، حتى جاءت مأساة جامعة الحسين بن طلال، فعدت إلى العمل ثانية وبشكل متسارع ليخرج هذا الكتاب إلى النور في الوقت المناسب
لقد وصل الأمر حداً لا يمكن تصديقه، ففي صفحة واحدة لإحدى الصحف الأردنية ظهرت الأخبار التالية
– مشاجرة طلابية في اليرموك
– تبادل إطلاق النار خلال مشاجرة عند بوابة جامعة مؤتة
– إصابة عضو هيئة تدريس في الأردنية إثر مشاجرة طلابية
إن ما يجري في جامعاتنا يعد صورة غير حضارية سواء لجامعاتنا بشكل خاص أو للمجتمع الأردني بشكل عام. إن المجتمعات المتحضرة تؤكد على أهمية وجود علاقات سليمة وسلمية بين الشباب الجامعي. كما أن ديننا الحنيف وعقيدتنا السمحة والقرآن الكريم وسنة نبينا عليه السلام تؤكد على وجوب التسامح والعدل والعفو والعمل الجاد والمخلص والتواصل والرحمة وحسن المعشر ورفض التعصب، كما تؤكد على التراحم والوفاق والتآخي بين كافة أفراد المجتمع وبخاصة الشباب
لقد جمعت مادة هذا الكتاب من الكتب المتخصصة في الموضوع ومن الرسائل الجامعية الأردنية ومن الصحف الأردنية وبخاصة الرأي والدستور ومن شبكة الإنترنت ومن مصادر أخرى كثيرة. وقمت بترتيب المادة على النحو التالي
الفصل الأول ويقدم الإطار النظري للعنف الجامعي. ويعرض الفصل الثاني لأهم الدراسات العلمية في الموضوع من خلال الرسائل الجامعية والبحوث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة. أما الفصل الثالث فيقدم وجهات نظر وزراء التعليم العالي ورؤساء الجامعات وعمداء شؤون الطلبة وأساتذة الجامعات وطلبتها، والأطراف الأخرى مثل النواب وأولياء الأمور وغيرهم في المشكلة. ويعرض الفصل الرابع وجهة نظر الصحافة الأردنية في الموضوع من خلال ما كتب في جريدتي الرأي والدستور خلال الخمسة شهور الأولى من هذا العام 2013م. ويقدم الفصل الخامس الحلول والتوصيات المقترحة للمشكلة من وجهة نظر أطراف مختلفة. ويضم الفصل الأخير ملاحق مهمة وذات صلة بموضوع العنف الجامعي. وأخيراً يضم الكتاب قائمة بالمصادر والمراجع التي استفاد منها الباحث في عملية الإعداد والجمع لمادة هذا الكتاب
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.