عندما يضع باحث شاب بين يدي القارئ العربي كتابا يبين “نظرتنا المعاصرة إلى المجموعة الشمسية” فإنه يكون قد أتاح للقارئ فرصة الاطلاع على أحدث ما زودتنا به الوسائط والوسائل العلمية الفنية الحديثة من عناصر صورة العالم القريب المحيط بنا والذي ألفناه وعايشناه عن بعد منذ أيام أجدادنا في وادي الرافدين  ووادي النيل، ولقد ظلت علاقتنا بالمجموعة الشمسية رغم حميميتها علاقة غير تفصيلية، حتى مع القمر الذي هو ابن أمنا الأرض وأقرب جرم سماوي إلينا، وذلك حتى تدخلت التقانات المتطورة فأحضرت نماذج من ترابه وصخوره إلى الأرض وأنزلت أول كائن بشري على ذلك السطح الممعن في سكونه وتصحره، والذي كنا نفهم أنه نور منعكس إلينا من سراج الشمس.

   هذا ما فعله الفلكي عماد مجاهد في كتابه الموسوم “نظرتنا المعاصرة إلى المجموعة الشمسية “، فبعد أن قدم لنا كتبه المشتملة على “تاريخ علم الفلك” و”أطلس النجوم” و”التقويم الفلكي العربي الاسلامي” و”دليل المسلم الفلكي” وبعد أن ناقش خرافة التنجيم ما بين العلم والدين في كتاب آخر له، بعد أن قدم لنا كل ذلك وغيره إذا به يضع قدمي القارئ على أرضية العلم والحقيقة حول صفات ومميزات سيدة المجموعة الشمسية وأنسالها من كواكب وأقمار وكويكبات ومذنبات كل في فلك يسبحون.

   ليس من السهل تلخيص محتويات هذا الكتاب، فهو ليس كتابا أدبيا بل هو كتاب علمي تتزاحم فيه المعلومات الوصفية والجداول والصور والأشكال، ولا بد أن يؤخذ كما هو، بعد أن عمل المؤلف بكل جهد ممكن أن يضمن خلاصات الدراسات والقياسات التي قامت بها المركبات الفضائية إضافة إلى ما كشفت عنه أضخم المراصد الفلكية العالمية، مما قلب من نظراتنا القديمة وصحح من مفاهيمنا وتصوراتنا عن المجموعة الشمسية.

وإذا كانت مسيرة العلم التاريخية ذاتها عملية اقتراب دائبة من الوجود الموضوعي بغية تزويد ذاكرتنا وسجلاتنا بالمعطيات والقيم والأشكال…الخ، عن المادة موضع الدراسة، فإن أقرب المسافات التي أمكن قطعها وأدق النظرات التي أمكن تصويبها هو ما أنجزته المجسات الفضائية المحمولة على سفن الفضاء منذ احتدم السباق الفضائي ما بين الكتلة السوفيتية والكتلة الأمريكية خاصة في مطلع عقد الثمانينات، فلقد أتحفت البشرية جمعا بنتائح الرحلات الناجحة لمركبات بل مجسات مارينر وبيونير وفينيرا وفايكنغ وفينوس و… و… ومازلنا نتطلع إلى المزيد من الكشوف والدراسات والقياسات والصور التي تمثل أقصى ما وصل إليه الانسان من استطلاع الكون من حولنا.

وكم تغيرت أعداد الأقمار التابعة للكواكب وكم تغيرت المعطيات والأرقام التي كانت تتحقق بالدراسة والتحري عن بعد منذ اكتشاف القمر فوبوس التابع لكوكب المريخ على يد اساف هول عام 1877 وحتى أخر تقرير فلكي نشرته جهة دارسة تلقته على شكل رسالة لاسلكية من مركبة غير مأهولة أو من مرصد عملاق مازال ينتظر رسائل انطلقت في الفضاء منذ ملايين السنين.

لقد كان لتعديل نظرة الانسان إلى الكون بل وتصحيحها آثار لامست مختلف وجوه حياته وليس العلمية الفلكية فحسب.

من هنا تأتي أهمية تجديد وتحديث مفاهيمنا ونظرتنا للعالم من حولنا، ومن أقرب ركن إلينا، من العائلة التي ننتمي إليها فلكيا، من المجموعة الشمسية.

إن الجهد المضني الذي يؤديه مؤلف لعمل مثل كتاب مجاهد “نظرتنا المعاصرة إلى المجموعة الشمسية” لا يكافؤه ولا يبرره سوى اطلاع القارئ العربي على هذه المادة الهامة من مواد العلم المعاصر، كيما يستطيع القارئ أن يواكب هذه الحقبة السريعة الحركة المزدحمة بكل جديد وفي كل مجال.

وأخيرا، إذا كان يسعدني أن أسهم بقسط من مراجعة أعمال للزميل عماد مجاهد، فإنه يسعدني أكثر أن أقرأ له المزيد من الأعمال العلمية التي تفتقر إليها المكتبة العربية في مجال الفلك ذلك العلم العريق الذي تولّد في ربوع الهلال الخصيب ومصر، ولكن أهم مراكزه الآن هي في القفقاس والقرم وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندة والولايات المتحدة والتشيلي في حين لا يعتبر المرصد المصري العربي ضمن مجموعة المراصد الكبيرة، كما أن مما يبعث على الشعور بالتقصير العربي تجاه الثورة العلمية الفلكية المعاصرة أن لا نجد كثيرا من الأسماء العربية بين الباحثين والدارسين العالميين مثل الاستاذ فاروق الباز (الجيولوجي) الذي أسهم في وضع برامج الفضاء الأمريكي.

فلنقرأ ولنطلب الزيادة علما، فالغد مرهون للذين لا يريدون استرخاءا ولا جهدا ولا فسادا، ويعدون للغد ما استطاعو من عمل جاد وتخطيط علمي سليم