يتزايد الاهتمام العالمي يوما بعد يوم بمشكلة البيئة وأهميتها، نظرًا لمختلف المشاكل التي أصبحت تعاني منها، والتي أفقدها صورها الجمالية والفنية، وأثر على هيكلتها وتنظيمها، ومن ثم على ديناميكية وحركية وظائفها.
وقد أصبحت قضية حماية البيئة والمحافظة على توازنها من أهم قضايا العصر، والتي طُرحت على الساحة العالمية منذ أكثر من أربع عقود، أبرزها في مؤتمر ستوكهولم Stockholm سنة 1972 و قد خص الدول الغربية والدول الصناعية التي أصبحت مدنها الكبرى تعاني من مشكلة اختلال توازن نظامها البيئي من جراء التكتل السكاني والتركز الصناعي بدرجة كبيرة. والذي ترتب عنه ظهور التلوث الناتج خصوصًا عن النفايات الحضرية الصلبة. إذ أضحى يُشكل هاجسا كبيرا لكل دول العالم، واِزداد تفاقمًا في المدن العربية بفعل تمركز السكان والأنشطة الاِقتصادية بها، ونقص وضعف المنشآت الوقائية القائمة التي ليس بإمكانها تولى إدارة النفايات الحضرية الصلبة والمحافظة على توازن البيئة.
إن تطور الحياة وتسارع الوتيرة الإنتاجية، والاستهلاكية، وزيادة عدد السكان وتنّوع الأنشطة أدى إلى تدهور عناصر البيئة الحضرية، وبالتالي تلوث المجاري المائية، والهواء، والتربة، والشوارع، والطرقات…، ومن جملة نتائجها اِنتقال العدوى للمياه السطحية والجوفية من جراء الإدارة الفوضوية للنفايات الحضرية الصلبة واِستعمل الطرق غير الصحية في التخلص منها متسببة في إختلالات بيئية خطيرة مست جميع المستويات.
لذلك تستدعي الضرورة القيام بدراسات وأبحاث لحل مشكلة النفايات الحضرية الصلبة وإيجاد الأساليب العلمية لإدارتها الرشيدة والحد من تفاقم تدهور البيئة الحضرية، وإعطائها الأولوية لكونها تشكل جزء كبير وأساسي في الحياة الحضرية.
وفي هذا الإطار وجدنا من المناسب أن نُقدم كتابًا يتناول “إدارة النفايات الحضرية الصلبة وطرق معالجتها” تعريفًا وعرضًا لأنواعها ومكوناتها ونظام جمعها والطرق المختلفة والمتعددة لمعالجتها والتخلص منها، ليتمكن القارئ العربي المهتم والطالب الجامعي الولوج إلى مجال النفايات الحضرية الصلبة من خلال إدراك مفاهيمها الأساسية، والطرق العلمية لإدارتها.
وقد خصصنا الفصل الأول لتحديد مفهوم النفايات الحضرية الصلبة بكل أنواعها وأصنافها ومصدرها وكميتها حسب مكوناتها والعوامل المتحكمة في إنتاجها مع إبراز خصائصها الفيزيائية والكيميائية، وقد اِهتم الفصل الثاني بتوضيح مرحلتي ما قبل الجمع والجمع من خلال المعدات والوسائل المستخدمة في كل مرحلة وأنواع الجمع المرتبطة بتنوّع النفايات الحضرية الصلبة لاسيما الجمع الاِنتقائي ونظام تطبيقه وفاعليته الاِجتماعية والاِقتصادية والبيئية، أما الفصل الثالث فقد تطرقنا فيه إلى التنظيف الحضري وطرق كنس وغسل الشوارع والطرقات العمومية وجمع نفايات الأماكن العمومية والتخلص منها، لأن هذا الجانب يخدم هو الآخر نظافة المجال الحضري وتطهير البيئة الحضرية للمدن.
ونظرًا لتعدد طرق معالجة النفايات الحضرية والتخلص النهائي منها، فقد اِستعرض الفصل الرابع طريقة حرق النفايات باِعتبارها أسهل التقنيات لمعالجة النفايات الحضرية الصلبة والتخلص منها من خلال توضيح مختلف مراحل الحرق والتقنيات المستخدمة فيه واِنعكاساته البيئية، بينما اِهتم الفصل الخامس بتقديم تقنية التسميد باِعتبارها أنسب الطرق لمعالجة النفايات الحضرية الصلبة لأن هذه الأخيرة تُمثل فيها المواد العضوية نسبة معتبرة من مكونات النفايات خصوصًا المنزلية منها، إلى جانب توضيح مراحل التسميد والعوامل المؤثرة فيه، والأهمية الاِقتصادية والبيئية للسماد الناتج، ونظرًا لما تكتسبه النفايات الحضرية الصلبة من مكونات ذات قيمة اِقتصادية (الزجاج، والورق والكارتون والمعادن…) فقد تمحور الفصل السادس حول تقنية تقييم وتثمين النفايات الحضرية الصلبة من خلال ما يُعرف بالتدوير والرسكلة لاِسترجاع مثل هذه المواد لتكون مواد أولية ثانوية يمكن الاِستفادة منها اِقتصاديا والذي يكون أكثر فاعلية بتطبيق الجمع الاِنتقائي عبر مراحل متتابعة، وفيما يتعلق بالفصل السابع فقد اِرتكز على الوجهة النهائية للتخلص من النفايات الحضرية الصلبة وهي مراكز تصريف النفايات مبرزًا مبادئها وتطور تقنياتها وأنواعها المختلفة وأساليب إدارتها لاِستغلالها مدة أطول والبدائل الممكنة بعد تشبعها.
وعليه فقد حاولنا في هذا الكتاب التخصص والتعمق في موضوع إدارة النفايات الحضرية الصلبة وطرق معالجتها من مختلف جوانبه وأبعاده.
أخيرًا نأمل أن يسد هذا الكتاب بعض النقص الذي يعتري المكتبة العربية في مجال إدارة النفايات الحضرية الصلبة وطرق معالجتها، وأن يكون إحدى اللبنات المؤسسة لأعمال تكميلية وتطويرية أخرى لعلها تفيد في اِرتقاء مستوى طلابنا ودفعهم إلى خطوات أخرى نحو الأمام. والله من وراء القصد.
المؤلف
الدكتور فـؤاد بن غضبـان
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.