يركز هذا الكتاب على إبراز أهمية العوامل والمؤثرات الخارجية في المواضيع والمسائل المتعلقة بالعالم النامي التي تم تناولها بالبحث هنا مثل: التنمية البشرية، والمسألة الصحراوية، والمدينة العربية، والتحول الديمقراطي، كما يحاول هذا الكتاب التأكيد في البحث ذي المستوى الشمولي على مدى أهمية أدوار القوى الغربية في رسم مسارات أحداث العالم وتحديد اتجاهاتها كما هو مبين في موضوع “العولمة وحوار الثقافات”، وموضوعي “التكامل” و”المشروع الرأسمالي العولمي”
إن هذا الاهتمام بـ “الآخر” والمتأتي من الأهمية الفعلية لهذا “الآخر” في التأثير والضغط على أحداث العالم، يمنحنا فرصة تقييم ما لدى بلدان العالم النامي من إمكانيات ومن تعبئة، وما ينقصها من ذلك للتخفيف من هذه الضغوطات والتأثيرات الخارجية، كما يساعدنا هذا الاهتمام على فهم مجريات الأمور والمنتهيات المحتملة لها .
ويحاول هذا الكتاب عبر مختلف مقالاته العلمية، التأكيد من جهة أخرى على أن الهيمنة الغربية على العالم هي بالأساس نتاج طبيعة الاستراتيجيات والسياسات الغربية. أما التكنولوجيا ومهما كان تطورها فإنها تظل وسيلة لتحقيق أهداف هذه السياسات.
فضغط القوى الغربية على واقع البلدان النامية بتوظيف ما تمتلكه من تكنولوجيات حديثة للحرب والسلم، إنما تحركه نزعة الهيمنة التي تطبع سياسات القوى الغربية، هذه النزعة التي تغذيها الثقافة الليبرالية المادية، القائمة أساسا على الربحية والمنفعة الخاصة.
وتشير مختلف مواضيع هذا الكتاب ـ وإن كان ضمنيا في بعض الأحيان ـ إلى أن أي تعديل لميزان القوى الدولي بما يخدم مصالح شعوب وبلدان العالم النامي أصبح أمرا مرهونا بدرجة أكبر بما يمكن أن يحدث في نطاق مجتمع الحضارة القائمة من تراكمات مكرسة للانهيار الذاتي أو للتآكل الموضوعي لنظم وقيم الرأسمالية الليبرالية، أكثر مما هو مرهون بما قد يتحقق لدى مجتمعات العالم النامي والعالم الإسلامي على وجه التحديد من إرادة حضارية، لان التجديد المستمر لأشكال التبعية واللا تكافؤ على مستوى عالمي، سيحول دون بروز هذه الإرادة.
يبقى أن نؤكد على أن عوامل كثيرة من خارج الحضارة الغربية مرشحة حسب عدة مؤشرات، لأن تساهم ولو بأضعف نسبة في دفع هذا التآكل الموضوعي.
وهكذا يؤكد مضمون الكتاب على فكرة أنه إذا كانت الحضارات السابقة قد عجلت في سقوطها عوامل خارجية، فإن الحضارة الغربية ولكونها أول حضارة عالمية فإنها لن تترك ” للآخر” المنضوي تحت نفوذها والموضوع تحت سيطرتها ورقابتها المباشرة، مجالا كبيرا لأن يعجل بفنائها.
ومن خلال تشديده على أن عوامل فك الارتباط بـ”الآخر” وتأكيد “الذات” أصبحت مرهونة بالأساس بما ستنتهي إليه ديناميكية تطور هذا “الآخر”، وأن أي محاولة في الوقت الراهن والمستقبل القريب، لتغيير طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين – الذات والآخر – ستستهدف في مهدها بحروب استباقية متنوعة من حيث الوسائل والأساليب الموظفة فيها.
يوجه هذا الكتاب بصفة عامة دعوة لفتح باب التنظير والتفكير العلمي الجاد في آليات حفظ الذات من الاندثار وضمان البقاء، إلى حين..
وأضيفت في هذه الطبعة الثانية للكتاب مواضيع ومسائل أخرى راهنة لينتفع بها القارئ، موضوع “سياسات التشغيل فـي البلدان النـــامية في ضوء التحديات الراهنة” سبق نشره الكترونيا، والمواضيع الأخرى تنشر لأول مرة وتتعلق بـــ”علم السياسة وتأثير المتغيرات العولمية” و”المواطنة والتنوع الثقافي في الجزائر” و”التنمية المستدامة والإدارة البيئية”.
وفي الأخير، نأمل بهذه القراءة السياسية لمواضيع ومسائل راهنة، إفادة على الخصوص طلبة العلوم السياسية في الوطن العربي، بوجهات نظر وبطريقة مميزة في التفكير تحاول أن تكون موضوعية، على اختلاف المفاهيم التي يشحن بها مصطلح “الموضوعية” .
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.