يشكل النشاط النقلي العمود الفقري في أي نشاط اقتصادي ‘نتاجي أو خدمي . ولا غرابة أن تبوأ المرتبة الأولى في البنى الارتكازية لأي وحدة مكانية . فهو يمثل الشرايين الرئيسية لعناصر الانتاج والخدمات والاستهلاك في آن واحد فمن خلاله يتم التحكم في تكاليف النقل وبالتالي تكاليف المنتجات سلعاً وخدمات وفي ضوءه يتم توطين المشروع الاقتصادي أو تحديد جدواه .
وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة أن ينتزع موضوع النقل مكانته المتميزة في اهتمامات الاختصاصات العلمية المتنوعة الهندسية والاقتصادية والجغرافية بسواء فضلاً عن المكانة المتنامية لهذا الحقل من الاختصاص في علوم أخرى . ومنها العلوم السياسية والعسكرية . وغيرها .
وقد اهتمت فعلاً الاختصاصات الاقتصادية والهندسية والعلوم العسكرية بموضوع النقل اهتماماً متميزاً فظهرت للوجود العديد من الأبحاث والدراسات التي عالجت جوانب هذا الموضوع كل بمنهجيته متيمنين بالمقولة المعروفة : المنهج يوحد العلم والموضوع يفرقه . وقد حذا علم الجغرافية حذوة نظرائه الاختصاصات الأخرى ومنذ القدم بالاهتمام بموضوع النقل . وقد ظهرت كتابات نشعر بأهميتها في حينها لأنها تمثل مخرجات ما كان قائماً من تطور وحداثة في المنهج والوسيلة والمعطيات . على أنه من المفيد أن نذكر أن هناك مراجعاً أجنبية بموضوع جغرافية النقل كان لها السبق . ولم يألوا الجغرافيون العرب على قلتهم ممن اهتم بموضوع جغرافية النقل . ولعلنا نشير على سبيل المثال لا الحصر الكتابات المهمة للزملاء محمد سيد نصر وفاروق كامل عزالدين ، ومحمد خميس الرزوكة وأحمد حبيب رسول ومحمد حسون السامرائي وسعدي علي غالب وسعيد محمد عبدة وغيرهم .
إلا أننا حاولنا في ظل العقد الأول من القرن الحادي والعشرون أن ننجز مؤلفنا هذا مستفيدين من خبرات من سبقنا فضلاً عن اجتهاداتنا في التخصص والاهتمام منتفعين من الوسائل الحديثة للبحث العلمي نأمل أن نكون قد وفقنا .
وترتيباً على ما تقدم فقد جاء هذا الكتاب في ستة فصول عالج الفصل الأول منها تطور مفهوم جغرافية النقل وميلاد هذا التخصص مؤكداً على المنهجية الحديثة في هذا المجال . في حين جاء الفصل الثاني لمعالجة وسائل البحث بجغرافية النقل بدأً من المصادر الاحصائية ومروراً بالدراسات الميدانية وانتهاءً بوسائل القياس الكمي .
وتصدى الفصل الثالث لدراسة دور منهجية نظم المعلومات الجغرافية في معالجة مشكلات جغرافية النقل استجابة للتطورات الحديثة والثورة المعلوماتية المعاصرة التي رفدت الجغرافية كغيره من التخصصات بالعديد من المفاهيم والمعطيات. ولا غرابة أن يعتني هذا الفصل بالتمثيل الكارتوكرافي التقليدي أولاً ونظم المعلومات الجغرافية ثانياً . بيد أن الفصل الرابع أثر البحث والتحليل بالمرتكزات الطبيعية والمرتكزات البشرية والحضارية التي تعد مقومات جغرافية النقل تمهيداً لدراسة الأنماط النقلية الرئيسية التي تخصص بها الفصل الخامس لكل أنماط النقل البري والبحري والجوي
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.