لمّا كانت العملية التربوية بمفهومها التطويري الواسع المعاصر، معنية ببناء شخصيةالإنسان في جوانبها الجسمية والمعرفية والوجدانية والاجتماعية، من أجل تمكينه منتحسين نوعية حياته، وتنمية قدرته على المساهمة الفاعلة في تطوير مجتمعه، وتحقيق رفاهه،
وفق متطلبات التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، التي يعايشها المجتمعالإنساني حالياً، فإنّ المنظمات التربوية الناهضة بهذه العملية، لا بد من أن تكون منظماتأخلاقية، ذلك أن نهوضها بهذه الرسالة السامية في جوهرها بكفاءة وفاعلية، يتطلبضرورة تمتعها بثقافة تنظيمية مكرِّسة للقيم الأخلاقية، ومحفزة لدافعية عناصرها البشرية،
والتزامهم بتحقيق أهدافها.وفي ضوء ما تشهده النظم التربوية المعاصرة من توسع في مسؤولياتها، وتنامي فيالتوقعات المعقودة عليها، ومطالبتها بضرورة نهوضها بمهمتها التطويرية الإصلاحيةلمجتمعاتها، وتحقيقها لأهدافها المنشودة، وفق معايير ومتطلبات الجودة النوعية المتجددة،التي أفرزتها حركات الإصلاح التربوي، والمساءلة التربوية، فقد تنامى اهتمام الباحثين خلالالعقود الثلاثة الأخيرة، بدراسة العوامل التنظيمية المؤثرة في أداء هذه المنظمات، على اختلافأنواعها ومستوياتها، بغية مساعدتها على تلبية هذه المسؤوليات والتوقعات بكفاءة وفاعلية.للمنظمة التربوية، Organizational Climate وعليه، فقد اعتر المناخ التنظيميأحد أبرز العوامل المهمة في تشكيل سلوك ومشاعر قواها البشرية، وبلورة فاعلية أدائهملأدوارهم التنظيمية المناطة بهم في العملية التربوية، وذلك تبعاً لما كشفته العديد من22 المناخ الأخلاقي وعلاقته بالاحتراق النفسي والالتزام التنظيميالدراسات الميدانية في حقل الإدارة والسلوك التنظيمي، من أهمية الدور الذي يلعبههذا المتغير التنظيمي في تشكيل المشاعر الإنسانية، والتفاعات الاجتماعية المبلورةلسلوك العاملين في مختلف المنظات الاجتماعية، على المستويين الفردي والجماعيإذ أكدت مجمل تلك النتائج ما طرحه باركر .)Kondalkar,2007;Cullen, et al., 2003(Ecological Psychology الوارد في دواني 2003 ( في نظرية سيكولوجية التبيؤ ( Barkerمن تأثر سلوك الأفراد بالبيئة المادية والسيكولوجية، التي يتفاعلون ضمنها بصورة مستمرة،وبصورة كبيرة، لمستوى يصل لتاشي الفروق الفردية العديدة بين العاملن في المنظمة
الواحدة.عن تصورات العاملين للبيئة Organizational Climate ويُعبر مفهوم المناخ التنظيميالاجتماعية، أو النظام الاجتماعي الكلي للمنظمة التي يعملون فيها )العميان، 2010 (، وغالباًما يعزى هذا المناخ إلى الانطباع العام، أو الصورة الذهنية التي يشكلها العاملون في المنظمة
عن ثقافة منظمتهم، وخصائص بيئتها التنظيمية، المؤثرة في سلوكهم، كونهم يكتسبونها منخبراتهم وتجاربهم المعاشة فيها )فليه وعبد المجيد، 2009 (، أما مفهوم المناخ الأخلاقي
عام 1987 كأحد أنواع Cullen وكولين Victor الذي طرحه فكتور Ethical Climateالمناخ التنظيمي الموجود في المنظمة، فإنه يشر إلى “تصورات أعضاء المنظمة المشتركة، حول
السلوكات التي تعتبر صحيحة في منظمتهم، فضلاً عن الكيفية التي تتعامل فيها منظمتهم مع.)101.P ,1988 V, ictor and Cullen( ” القضايا الأخلاقية
في طرحهما لمفهوم المناخ الأخلاقي، من Cullen وكولن Victor فقد انطلق فكتور
التي تفترض وجود عدة أنواع من المناخات في المنظمة Schneider وجهة نظر شنايدرالواحدة، فقد عمدا إلى تصنيف أنواع المناخ التنظيمي، الموجودة في المنظمات الإنسانية إلى
فئتين رئيستين، تتصل الأولى منها بتصورات العاملن الخاصة ببنية وأشكال المكافآتوالضبط المستخدمة في بيئة منظمتهم الداخلية، بينا ترتبط الفئة الثانية منهما بتصوراتالعاملين المتعلقة بالقواعد المعتمدة في منظمتهم لدعم وتعزيز قيم أخلاقية معينة، وهكذا
المناخ الأخلاقي وعلاقته بالاحتراق النفسي والالتزام التنظيمي23
فإنهما افترضا أن أنواع المناخ التنظيمي المحتملة، ضمن الفئة الثانية في هذا التصنيف،تستند إلى الأساس الأخلاقي الذي يوجه أعضاء المنظمة نحو ما يعتبر صحيحاً أو باطلاً في
سلوكاتهم الوظيفية، ويتكون الإطار النظري لمفهوم المناخ الأخلاقي وفق نموذج فكتورمن بعدين رئيسن، يؤطران القرارات والممارسات الأخلاقية في Cullen وكولين Victorالذي يستند إليه الأفراد أو الجماعات Ethical Criterion المنظمة، وهما: المعيار الأخلاقيالذي تنطلق منه Locus of Analysis في قراراتهم وسلوكاتهم، وموقع التحليل الأخلاقيقرارات وتصرفات الأفراد أو الجماعات الأخلاقية، ويتفرع بُعد المعيار الأخلاقي، المتجذرعن النظريات الأساسية للفلسفة الأخلاقية، ونظرية التطور المعرفي الأخلاقي لكولبيرغوالمبدأ ،Utilitarianism والنفعية ،Egonism إلى ثلاثة أبعاد فرعية هي: الأنانية Kohlbergبمعنى أن قرارات أعضاء المنظمة وسلوكاتهم قد ترتبط إما ،Ethical Principle الأخلاقيبمصالحهم الذاتية )الأنانية(، أو قد تهدف إلى تلبية أكبر كم ممكن من مصالح أكبر عدد منالناس )النفعية( أو قد تستند إلى بعض مبادئ الصواب أو الخطأ )المبادئ الأخلاقية( على
.)Victor and Cullen, التوالي ) 1988
وفي المقابل، ينقسم بُعد موقع التحليل الأخلاقي – الموازي لنظريتي التطور المعرفي
إلى ثلاثة مواقع – Merton ومرجعية أدوار الجماعة لميرتون ،Kohlberg الأخلاقي لكولبيرغالذي يركز فيه Locus of Analysis Individual تحليلية فرعية، وهي: موقع التحليل الفردي
الفرد على قيمه ومصالحه الذاتية الشخصية، كمرجع لقراراته وسلوكاته الأخلاقية، أو يركز
فيه أعضاء المنظمة الواحدة أو أحد نظمها الفرعية، عى قيم منظمتهم ومعاييرها ومصالحهاالذاتية، بوصفها المرجعية الضيقة لسلوكاتهم وقراراتهم الأخلاقية؛ وموقع التحليل
الذي تتسع فيه مرجعية التحليل الأخلاقي للأفراد Loacal Locus of Analysis المحليوالجماعات، لترتقي إلى المستوى المحلي الأبعد من الإطار الفردي أو التنظيمي الضيق، نحو
أطر تنظيمية أكبر وأشمل، قد تتمثل في المنظمة ككل أو في المجتمع المحلي للفرد، أو المجتمعالذي ينطلق Cosmopolitan Locus of Analysis الكبير للدولة، وموقع التحليل العالمي
24 المناخ الأخلاقي وعلاقته بالاحتراق النفسي والالتزام التنظيميمنه الأفراد أو الجماعات إلى نطاقات واسعة في تفكيرهم الأخلاقي، يتجاوزون فيها مصالحهم
ومبادئهم الأخلاقية الفردية والمحلية الضيقة، لتشمل المصالح والمبادئ العالمية للمجتمع.)Victor & Cullen, الإنساني ككل ) 1988
المحتملة في المنظمات Ethical Climate Patterns وهكذا تصنف أنماط المناخ الأخلاقيالاجتماعية وفقاً للأبعاد الستة الفرعية، المشكلة لنوعية المناخ الأخلاقي إلى ستة أنماط تتمثل في:
Caring المتمحور حول القواعد المهنية، ومناخ الرعاية Professional Climate المناخ المهنيInstrumental Climate المتمحور حول تلبية القوانين والأنظمة، والمناخ النفعي Climate
المتمحور حول الطريق Efficiency Climate المتمحور حول المصالح الذاتية، ومناخ الكفاءة
الذي يمنح الموظف الحرية Indepedence Climate الأنسب للعمل، والمناخ الاستقلاليوالذي Rules Climate الكاملة في الاستناد إلى مبادئه الأخلاقية الذاتية، والمناخ القانوني
يتمحور حول اتباع الأفراد في سلوكاتهم وقراراتهم القواعد والتعليمات الإدارية الموضوعة في.)Victor & Cullen, منظمتهم أو وحدتهم الإدارية بصورة صارمة ) 1988