كان ولا يزال أداء العمليات في الشركات الصناعية والخدمية على حد سواء، أحد السمات التي تفصح عن قدرة هذه الشركات وكفاءتها على مواكبة التقدم العلمي والتقني المتسارع، وأصبح المعيار الحقيقي لمدى قدرة هذه الشركات على البقاء والمنافسة في مختلف الأسواق سواء كانت محلية أو عالمية. وقد ازدادت أهمية هذا الجانب بشكل واسع في السنوات الأخيرة في ظل التغييرات التقنية المتسارعة في المعلومات والاتصالات وظهور العولمة والمنافسة الشديدة بين الشركات على مختلف ألوانها وأطيافها
ولطالما انصب اهتمام الكتاب على محاولة اكتشاف أفضل السبل التي من شأنها ان تنمي أداء العمليات وتحسنه، والعمل على تطويع كل التقانات من أجهزة وآلات ومعدات لتحسين هذا الجانب والارتقاء بالعمليات الإنتاجية إلى أفضل مستوى ممكن، ووضع كل الإمكانيات والخطط لتعزيز هذا الجانب، ولم ينتبه أحد إلى تطويع العنصر البشري والإفادة من خبراته ومهاراته وقدراته على الإبداع والتحسين وتحويل هذه كلها إلى موجودات فكرية تتمثل بالتصاميم والمعلومات والبرامجيات لتصبح ملكية فكرية للشركة ذات العلاقة كالعلامة التجارية وحقوق النشر وبراءات الاختراع وأسرار الصناعة، كل ذلك لم ينتبه إليه أحد إلاّ في السنوات الأخيرة وبالتحديد في العقد الأخير من القرن الماضي
إنّ الاعتماد على الخبرات والمعارف والمهارات والإبداع والتحسين لدى العاملين، وما ينطوي على ذلك من براءات اختراع وحقوق النشر والتأليف والعلامات التجارية وأنظمة وقواعد المعلومات، فضلاً عن رضا وولاء الزبائن ومدى احتفاظ الشركة بهم ومشاركة الزبائن، التي تكون بمجملها رأس المال الفكري الذي يعد من الأمور المهمة والحيوية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار والتركيز عليها عند محاولة وضع إستراتيجية لتحسين أداء العمليات في الشركة وبما يخدم عملية تطوير الشركة ورفع كفاءتها بالشكل الذي يضمن ديمومتها واستمراريتها، والبقاء والصمود في وجه المنافسة، وامتلاك القدرة على مواكبة التغييرات البيئية المعاصرة والتكيف معها هذا من جانب. ومن جانب آخر فإن اعتماد الشركة مفهوم إدارة الجودة الشاملة والوفاء بمتطلباتها المتمثلة بالتحسين المستمر والتركيز على الزبائن والتعليم والتدريب وغيرها من المتطلبات الأخرى لا تقل أهمية من حيث العلاقة والتأثير في أداء عمليات الشركة والذي يتطلب حشداً للجهود والإمكانيات البشرية بهدف استثمار الموارد المادية والمالية والمعلوماتية استثماراً يحقق التميز في أداء عمليات الشركة، والذي يعد محور عمل إدارة الإنتاج والعمليات وصميم وجودها في الشركة
ومن هنا فإن هذه الكتاب سيسعى إلى تحديد انعكاسات كل من رأس المال الفكري وإدارة الجودة الشاملة على أداء العمليات في الشركات. وفي ضوء هذه المعطيات ونظراً لعدم وجود دراسة تناولت العلاقة والأثر بين هذه المتغيرات مجتمعة ضمن إطار شمولي ولاسيما في البيئة العراقية، فقد وجد الباحثان من المناسب تناول هذا الموضوع معتمداً على طروحات الكتاب في مجالات رأس المال الفكري وإدارة الجودة الشاملة وأداء العمليات
وتأسيساً على ما تقدم سيتم بناء أنموذج افتراضي يعكس طبيعة علاقات الارتباط والأثر بين المتغيرات المستقلة (رأس المال الفكري، وإدارة الجودة الشاملة) والمتغير المعتمد (أداء العمليات)
