يعتبر التسويق المصرفي حقلاً من حقول المعرفة التسويقية الحديثة التي حظيت باهتمام كبير من جانب الكتّاب والباحثين، ومع كونه يمثل حالة من حالات التسويق الخدمي إلاّ أن الكتابة فيه لا تزال عملا يعزف الكثيرون عن القيام به نظرًا لما يتصف به من تخصصية شديدة ودرجة من التقاطع المعرفي بين مجموعة من المعارف العلمية كالتسويق والعلوم الإدارية والمالية والسلوكية التي يرى البعض أن الحديث عن التسويق فيها هو مجرد محاولة إبحار في محيط ليس له قرارومع ذلك، فقد ارتأينا خوض هذه المحاولة وقبول ما يكتنفها من تحديات. فالحاجة إليها ملحة والضرورة لتلبيتها تبرر خوض غمار التجربة ومحاولة التجذيف في بحر المجازفة، فبدون ذلك لا يمكن الوصول الى الحقائق العلمية التي تفتح افاق البحث العلمي وتثري للمعرفة الإنسانية
ونظراً للدور الحيوي الذي يقوم به التسويق المصرفي على مستوى دعم كيان المصرف وبقائه واستمراره، فقد أدركت الإدارة في المصارف أهمية هذا الدور، خاصة مع ما تتصف به الخدمات المصرفية من خصائص تكاد تنفرد بها دون سواها من المنتجات الأخرى. حيث برزت نتيجة لذلك معطيات واعتبارات أثبتت الدراسات والأبحاث أنها تحكم اختيار الأفراد للمصارف التي يتعاملون معها. وظهرت اعتبارات أخرى كجودة الخدمة، والإدارة الفعالة للعلاقة مع العملاء، وخدمة العملاء، كمعايير هامة في اختيار العملاء للمصرف وخدماته. وقد فتحت هذه مجالات جديدة يمكن للمصارف من خلالها الحصول على مزايا تنافسية تكسبها مواقع أفضل في الأسواق
وبالنظر إلى ما اتصف به جوهر الخدمة المصرفية من نمطية عالية، فقد كان لزاماً على الإدارة المصرفية ان تبحث عن وسائل وأساليب أخرى تستطيع من خلالها التنافس والحصول على نتائج أفضل. فإذا كان من الصعب أن تكون الخدمة المصرفية في جوهرها أحد مجالات التنافس وإبراز الميزة النسبية، فإن جودة هذه الخدمة وأسلوب تقديمها ربما شكّلا مجالا للتنافس. وهكذا، يصبح التسويق أحد الأنشطة الرئيسية في المصرف الحديث حيث تستلزم تأديته تبني الخطط والبرامج الموجهة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمصرف، وهو ما يتطلب مستوى متقدماً من المؤهلات العلمية والمهارات العملية لدى القائمين على تأدية هذا النشاط
إن الافتقار الشديد لإطار مفاهيمي وتطبيقي في مجال التسويق المصرفي، بالإضافة إلى الفراغ المعرفي الذي يمثله في المكتبة العربية قد شكّلا الدافع الرئيسي لوضع هذا الكتاب كمحاولة جادة تتناول موضوع التسويق المصرفي في إطار علمي وعملي متكامل وشامل يوفر لكل من القارئ والباحث وصانع القرار في المصرف مصدراً ثرياً يمتد إلى ما يمكن أن ينطوي عليه المفهوم العلمي من مضامين تسويقية تطبيقية
لقد جاءت الطبعة الحالية من هذا الكتاب مزيدة ومنقحة وتضمنت مفاهيم جديدة أثرت محتوياته وجعلتها أكثر حداثة ومواكبة للمستجدات الفكرية في موضوع التسويق المصرفي. وبهذا، فإننا نكون قد حاولنا بكل تواضع تجسير فجوة واسعة في الفكر التسويقي العربي وإثراء المكتبة العربية بمحتويات هذا الكتاب. راجين من المولى أن نكون قد وفقنا في هذا العمل. وأخيراً، فإنه لا يسعني إلا ان أقدم كلمة شكر إلى كافة الجهود التي بذلت من أجل اكتمال هذا العمل وجعله ممكناً لرواده