يمكننا القول بان المجتمع مناظر لجسم الكائن الحي، وان دورة الثروة والسلع في الاقتصاد شبيهة بدورة الدم في الجسم Circulation of Blood. ذلك ما اثرى به الاقتصادي البارز فرانسوا كيناي Francois Quensay الفكر الاقتصادي، واكتسب به ميزة العمل المرجعي لكثير من التطبيقات الاقتصادية الكلية ولاسيما منهجية التوازن الشامل التي تنطوي على ان تغير اي من المتغيرات الاقتصادية المستقلة سيفضي الى احداث تغيرات في مكونات وعناصر الاقتصاد الاخرى. وهذا مايجسده مفهوم التشابك الاقتصادي Economic Interdependence لما له من تاثير على تحليل وفهم واقع حجم المعاملات الجارية بين القطاعات الاقتصادية ومدى اعتماد كل قطاع على القطاعات اوالانشطة الاخرى. فالعلاقة التشابكية للاقتصاد الوطني واحدة من الادوات التوصيفية والتحليلية للبنيان الاقتصادي ومحاولة منهجية للكشف عن حركة السلع والخدمات بين الفعاليات الاقتصادية، وبيان مستوى الاعتماد المتبادل فيما بينها والتمكن من اختيار مايدعى بالقطاع الريادي او المحوري Pioneer Sector في التنمية الاقتصادية. كما انها تؤثر دراسة العلاقات الكمية بين القطاعات الاقتصادية، وبصورة ادق الية هذه العلاقات بين المستخدمات Input والمخرجات Output، ومن ثم فانها تسهم في تصريف الانتاج وخلق القيمة المضافة. الامر الذي اكسب نموذج المستخدم ـ المنتج مساحة هامة في دراسة التشابك الاقتصادي للوقوف على طبيعة الترابطات القائمة بين القطاعات الاقتصادية وتشخيص الاختناقات الناشئة عن الخلل المحتمل من تدفقات تلك الترابطات بشكل قابل للقياس والمساهمة في وضع البرامج والاجراءات الكفيلة بمعالجة ذلك مستقبلا
وقد جاء هذا الكتاب ليسهم في تغطية مثل هذه الجوانب الحيوية وذات الاهمية القصوى في التحليل والتخطيط والتنبؤ الاقتصادي. وليساعد في تحجيم النقص الذي تواجهه المكتبة العربية وسد حاجة الطلبة والدارسين و المخططين في مجال التشابك الاقتصادي والدراسات الاقتصادية الكلية، وذلك كان الدافع وراء تأليف هذا الكتاب. وتأسيسا على ما تقدم فقد تم تقسيمه الى بابين رئيسين: اولاهما يمثل الجانب النظري للمؤلف وينطوي على خمسة فصول اساسية: الفصل الاول، يتناول دراسة مفهوم النموذج الاقتصادي، وتكوينه، وخصائصه، وانواعه. اما الفصل الثاني فيعالج العمق الفكري لنموذج المستخدم – المنتج، بما في ذلك الجدول الاقتصادي “لكيناي” والشروط الماركسية للاستقرار الاقتصادي للفيلسوف Karel Marx، ونموذج التوازن العام لفالراس Walras ونموذج ليونتيف W. Leontief، والعلاقة بين النماذج السابقة ونموذج المستخدم – المنتج. ويتعرض الفصل الثالث لبناء وتحليل جداول المستخدم – المنتج:ويتضمن دراسة الاطار المحاسبي – الاجتماعي لبناء نموذج المستخدم المنتج، والمظاهر الاساسية والافتراضية للنظام الاقتصادي، وتوليد وتوزيع الدخل، والنمو والاستخدام وكذلك اهم المصفوفات الناتجة عن تلك الجداول.ويحلل الفصل الرابع موضوع التشابك الاقتصادي ومايحتويه من حالات لهذا التشابك، ومنهجية قياس مؤشرات التشابك، وكيفية تشخيص القطاعات الرائدة في الاقتصاد الوطني. وتناول الفصل الخامس والاخير في الباب الاول من هذا الكتاب معالجة استخدامات تكنيك المستخدم – المنتج بما في ذلك التحليل الهيكلي والتخطيط الاقتصادي، وتخطيط سياسات الانتاج، وتخطيط قوة العمل، وتخطيط التجارة الخارجية، وتخطيط الاستثمار. والتخطيط الاقليمي والتنبؤ الاقتصادي
اما الباب الثاني فقد اشتمل على اربعة فصول تطبيقية تجسدت فيها خبرة المؤلف واهتماماته البحثية والتطبيقية بهذا الموضوع. تخصص الاول منها بتحليل مصفوفة الانسياب التجاري في البلاد العربية ومركزا على الروابط المباشرة وغير المباشرة لذلك الانسياب، وهو يمثل الفصل السادس على مستوى الكتاب ككل
اما الفصل السابع منه فقد اهتم بالاحاطة بالمعالجات اللازمة لطرق اختيار القطاعات الرائدة وفي صورها المتعددة تأسيساً على مؤشرات الترابط الامامي والخلفي للقطاعات الاقتصادية ومعاملات الاختلاف تحسسا منا باهمية هذه المؤشرات ودورها الحاسم في تحديد القطاعات القائدة في الاقتصاد. وقد كان الاقتصاد العراقي عينة لتحليلات هذا الفصل
وعكف الفصل الثامن على دراسة العلاقات التشابكية ومعرفة التغيرات المتحققة فيها بين فترتين زمنيتين. وقد جرى تحليل روابط الجذب الامامية والمباشرة وغير المباشرة في قطاع الصناعة التحويلية في العراق بوصفها معالجة قطاعية للتشابك وعلى مستوى ثلاث فترات زمنية. وتم الاستعانة ببرامجيات الحاسب الالي للتوصل الى نتائج الفصول التطبيقية الواردة في الباب الثاني من الكتاب. وقد احتوى هذا الكتاب على ما مقداره ثلاثة واربعين جدولا ونحو ثلاثين شكلا بيانيا ومخططا واطاراً وبعض الملاحق. ومن ناحية منهجية فقد اعتمدنا الطريقتين الاستقرائية والاستنتاجية Inductive and Deductive Methods في تناول مفردات هذا الكتاب اخذين بنظر الاعتبار اهم التطورات العلمية المتحققة في المجالين النظري لهذه المفردات واستخدام التحليل الرياضي وتطبيقات الحاسوب في المجال العملي منها. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في انتاج هذا الكتاب، يبقى المؤلف مسؤولا عن اي نقص او سواه اينما فيه
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.