يمثل الإرتفاع في المستوى العام للأسعار وإنخفاض معدل النمو الإقتصادي إضافة إلى تفاقم مشكلة البطالة وعجز ميزان المدفوعات في مختلف البلدان متقدمةً كانت ام نامية ، خطرا حقيقيا على إستقرار إقتصاداتها ، ولذا فإن مسألة علاجها أصبحت ضرورة حتمية وغاية جميع البلدان المختلفة من خلال تبنيها أدوات السياسة الإقتصادية متمثلة بالسياستين النقدية والمالية التي تجلت أهميتها بإعتبارها أسلوبا لإدارة إقتصاداتها الوطنية ودافعاً نحو تحقيق الإستقرار الإقتصادي فيها ، إذ لم يقتصر تطبيقها على بلد دون أخر بل امتد ليشمل البلدان كافة على إختلاف درجات تطورها الإقتصادي ، حتى أصبح أداء المتغيرات الإقتصادية الكلية فيها مرتبطا بشكل واضح بأداء كل من السياستين النقدية والمالية ومكانتها في هذه البلدان ، الأمر الذي احتلت بموجبه هذه السياسات مكانة مهمة في الأبحاث والدراسات الإقتصادية الحديثة سواء على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية التي أعدتها جزءا من برامجها الإصلاحية ، أم على مستوى الباحثينين في هذا المجال .
ولم يكن الإهتمام بهذه السياسات بنمط محدد سواء في المجال النظري أم في المجال التطبيقي ، فبعد أن كانت السياسة النقدية أداة رئيسة للسياسة الإقتصادية في أول تصدي لها عبر النظرية الإقتصادية وإكتسابها الأهمية البالغة في تحقيق الإستقرار في الأسعار عن طريق التحكم بعرض النقد ، أدى ظهور مشكلة البطالة في بعض البلدان المتقدمة ومنذ أكثر من سبعة عقود إلى إنتهاج السياسة المالية كأمر مهم في تحجيم البطالة أو الحد منها ومن ثم التأثير في معدلاتها وذلك في إطار النظرية الكينزية التي وصفتها ووضعت الحلول المناسبة لها في تفسيراتها النظرية وأعدتها بالحل الأمثل ، وبالنظر إلى تنامي ظاهرة التضخم وتفاقمها في بعض البلدان المتقدمة جادل البعض من رواد الفكر الإقتصادي بمسألة جدوى السياسة المالية في إحتوائها للمشاكل الإقتصادية المختلفة ، الأمر الذي أدى إلى ظهور مدارس إقتصادية مختلفة في الأدب الإقتصادي ، تسيدها الجدل الدائر بين المدرستين الرئيستين (الكينزية والنقودية) حول أي من السياستين النقدية والمالية الأكثر ملائمة وفاعلية في تحقيق أهداف الإستقرار الإقتصادي ، فمنها من ترى في السياسة المالية الأداة الأكثر فاعلية وقدرة على التأثير في متغيرات الإقتصاد الكلي وتبنيها العلاجات المناسبة لها ، وأخرى تسند ذلك الدور للسياسة النقدية وتصفها بالحل الأمثل .
وبين هذا التوجه وذاك إنبثقت آراء ووجهات نظر أخرى كان بعضها موافقا لآراء الكينزيين و البعض الآخر موافقا لآراء النقوديين وإن كان بين الفريقين من يرى في ضرورة الجمع بين السياستين معا الحل الأمثل على التأثير في متغيرات الإقتصاد الكلي وبطرائق متناسقة وإن كانت متفاوتة في درجات تأثيرها .
وبحسب ذلك كله ، إنتهجت البلدان المختلفة تلك السياسات سبيلا لتحقيق معدلات مرتفعة من النمو الإقتصادي ومستويات منخفضة من التضخم والبطالة ، فضلا عن دورها لتحقيق التوازن في ميزان مدفوعاتها، بيد أن ذلك يجري وبأنماط وآليات قد تكون متناسبة وظروفها الإقتصادية .
وتنبع أهمية الكتاب من أن السياستين النقدية والمالية كانتا وما تزالان الأداتين الرئيستين للسياسات الإقتصادية التي تنتهجها حكومات البلدان المتقدمة والنامية لتصحيح أوضاعها الإقتصادية من خلال التأثير في المتغيرات الإقتصادية الكلية ، وبالنظر إلى التحديات التي تواجه تلك السياستين فإن التوقف عند جوانب الضعف والقوة فيها مسألة في غاية الأهمية في ضوء تباين درجات التطور الإقتصادي في البلدان التي وقع عليها الإختيار في إبراز فاعلية كل منها على التأثير في متغيراتها الإقتصادية الكلية ، فضلا عن تركز معظم الدراسات والبحوث والكتب في هذا المجال على سياسة دون أخرى ، ومن هنا يحاول هذا الكتاب إبراز الدور الأكبر لأي من السياستين المذكورتين ومدى تمكن كل منها للإرتقاء بمستوى الأخرى وإعطاء تصور واضح للبلدان المختارة وعن فاعليتهما والتوجه بما ينسجم وظروفهما الإقتصادية. وقد تم اختيار انموذجين اثنين هما مصر واليابان ، وذلك للتطور الكبير الذي اصاب الاقتصاد المصري في العقود الثلاثة الاخيرة والانفتاح على العالم في شتى مجالات الاقتصاد واعتمادها على اسس اقتصادية ومناهج متطورة في جميع المجالات . اما اليابان فيعد بلداً متميزاً في مختلف مفاصل الاقتصاد وتعد انموذجاً مثالياً في التطبيق الاقتصادي ، لما تملكه من مقومات اقتصادية واجتماعية وسياسية …الخ تؤهله لأن يصبح انموذجاً للبحث والمقارنة.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.