يعتبر الاستثمار في التعليم أساس رقي وتقدم الأفراد والمجتمعات في كل زمان ومكان. هذا ما تؤكده نظرياً خلاصة الأدبيات الحديثة المستندة إلى نظرية رأس المال البشري (Becker, Schultz) ونظرية النمو الداخلي التي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي (Lucas, Romer Barro,). وهو ما تؤكده عملياً تجربة الاقتصاديات الصاعدة التي ركزت في استراتيجياتها التنموية على أولوية الاستثمار في الإنسان

في هذا السياق، يُنظر للتعليم كونه استثمار في رأس المال البشري يدر كثيراً من العوائد الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تعود على الأفراد والمجتمع والدولة ككل. بالنسبة للأفراد، يكون قرار انخراطهم في التعليم مؤسس على تحصيل دخول مرتفعة في سوق العمل مستقبلا. و هو ما يصطلح عليه عادةً بالعائد النقدي الخاص من التعليم. وإلى جانب ذلك، فالتعليم يسهم فعليا في تحقيق كثير من المكاسب غير المادية مثل تحسين السلوك الصحي والسلوك المدني، تقليص معدلات الخصوبة، ترشيد قرارات الأفراد المختلفة، الرعاية الجيدة للأبناء وغيرها من العوائد الخاصة غير النقدية

أما بالنسبة للمجتمع، فإن من جملة الاعتبارات التي تبرر رصد الدولة سنويا لمخصصات مالية ضخمة لقطاع التعليم هو رفع معدلات النمو الاقتصادي، تحقيق العدالة في توزيع الثروة وتقليص مستويات الفقر البشري. تلك هي أساسا العوائد الاجتماعية النقدية من التعليم والى جانبها، ثمة عديد من العوائد غير النقدية التي تعود على المجتمع، والتي لا تقل شأنا عن نظيرتها الأخرى مثل تعزيز الديمقراطية، الحفاظ على البيئة، تحقيق الانسجام الاجتماعي، تقليص معدلات الجريمة وغير ذلك

في ضوء ما تقدم، يأتي هذا الكتاب في فصوله العشرة ليسلط الضوء على الأهمية الحيوية للاستثمار في التعليم وضرورته القصوى لبناء اقتصاد مزدهر ومجتمع متحضر، وهو عين ما تحتاجه بلداننا العربية في الوقت الحاضر حتى يتسنى لها اللحاق بركب الاقتصاديات الصاعدة التي استطاعت أن تتقدم و تجد لها حيزاً في عالمنا المعاصر، الذي هو بالأساس عصر العلم والمعرفة

      يتضمن الكتاب أربعة أبواب رئيسة؛ حيث يتطرق الباب الأول إلى دور التعليم في التنمية بشكل عام. أما الباب الثاني فيتناول بالدراسة العائد من التعليم من المنظورين النظري والتطبيقي، بينما يتعرض الباب الثالث إلى العوائد الخاصة غير النقدية من التعليم – وبالتحديد تقليص معدل الخصوبة وتحسين صحة الأفراد كنموذجين. ختاماً، يناقش الباب الرابع العوائد الاجتماعية غير النقدية- وبالأساس تقليص معدلات الجريمة وتعزيز الديمقراطية كنموذجين أيضا