إنّ التطور السريع الّذي شهدته تجارة التجزئة كان نتيجة تضافر وتفاعل مجموعة من العوامل والمتغيّرات في البيئة التسويقية، لا سيما فيما يخص تطور وسائل الإنتاج وتحسين الجودة والنوعية، ممّا أدى إلى إغراق السوق بالعديد من السلع والخدمات والكثير من البدائل للمنتج الواحد، الأمر الّذي أدى إلى اشتداد المنافسة بين المتاجر التجارية، وقد انعكس ذلك على السلوك الشرائي والاستهلاكي للمستهلكين النهائيين اتجاه هذه المتاجر، والّتي أصبحت تمتلك علامات معروفة منافسة لعلامات السلع والخدمات بالأسواق
وفيما يخص سلوك المستهلك النهائي فإنّ هذا الأخير تحكمه عدّة عوامل، بدء بالخصائص الشخصية، والّتي تتمثل في مجموعة المتغيّرات الديمغرافية مثل السن، الجنس، مستوى التعليم، الدخل، المهنة، نمط الحياة، بالإضافة إلى العوامل النفسية كالاتجاهات، الدوافع، الإدراك، التعلم، الشخصية، دون أن ننسى العوامل الثقافية والاجتماعية والتكنولوجية، هذه المتغيّرات تؤثر بشكل واضح على الموزعين عند اختيارهم للاستراتيجيات التسويقية، فعلى سبيل المثال: حاجات المستهلكين كبار السّن تختلف عن حاجات صغار السّن، لذلك فإنّ طريقة العرض والبيع تختلف من فئة لأخرى، وكذلك طريقة اختيار الموقع وتصميم المتجر وطريقة تدريب رجال البيع للتعامل مع كل فئة، ستختلف حسب أهمية كل متغيّر من هذه المتغيّرات، بحيث يكون هذا الموزع قادراً على خدمة الفئة العمرية المستهدفة بكفاءة أكثر ممّا لو اعتبر المستهلكين سوقاً واحداً دون الأخذ بالاعتبار الاختلافات الموجودة في خصائص وسلوك هؤلاء
خلال التطور الّذي شهدته تجارة التجزئة ظهرت متاجر تجارية ذات الخدمة الحرة، أين المنتَج يبيع نفسه بنفسه دون تدخل البائع، وقد لعبت هذه المتاجر دوراً كبيراً في جذب المستهلكين النهائيين، حيث يقوم هؤلاء بالتنقل بين أروقة المتجر واقتناء المنتجات المعروضة، وهكذا أصبح المستهلكون يسعون إلى معرفة واكتشاف ما هو معروض من سلع وخدمات وعروض ترويجية ويقومون بالتفاضل وتقييم البدائل المتاحة واختيار البديل الأفض
أمّا بالنسبة للمنتِج فإن عليه أن يراقب منتجاته داخل المتجر والطريقة المعروضة بها، وأمّا الموزع فإنّ عليه أن يتقن صناعة البيع، أي يسعى إلى تحسين مردودية مساحة البيع، وذلك بمعرفة كيفية تشكيل مجموعة السلع الّتي سيبيعها في متجره، وكيف سيقوم بوضعها على الرفوف ؟ وكيف سيرتب هذه الرفوف والأروقة ؟ كذلك تقديم خدمات من شأنها أن تساعد في جذب عدد أكبر من المستهلكين، وهذا ما يسمى بتقنيات المتاجرة.
وهكذا عوض المنتِج والموزع غياب البائع الجزئي في المتاجر ذات الخدمة الحرة بتطبيق تقنيات المتاجرة، ولقد تطوّرت هذه التقنيات حتى أصبحت كمصدر لتحقيق ميزة تنافسية، على حساب أشكال متاجر التجزئة الأخرى، والّتي يهدف من خلالها الموزع إلى تحسين جودة مساحة البيع وزيادة المبيعات، وذلك عن طريق توفير المنتَج الجيد (التشكيلة السلعية) في المكان الجيد (التموقع، التنظيم، الترتيب بالمحل التجاري)، وفي الزمان الملائم (تنزيلات المواسم، مجاراة الموضة)، وبالسعر الجيد (أسعار أقل في ظل غياب البائع، حسومات)، وبالكمية المناسبة (تفادي انقطاع في المخزون) مع تقديم المعلومات الكافية حول المحل والمنتجات والعلامات التجارية للمستهلكين.
وعليه، سيتم التطرق في هذا الكتاب إلى الفصول التالية:
- أساسيات قنوات التوزيع؛
- متاجر التجزئة؛
- التخطيط الاستراتيجي وتقنيات المتاجرة؛
- هندسة وتصميم متجر التجزئة.