Explore early Christianity
استكشاف المسيحية الاولى
يحاول هذا الكتاب أن يجيب على أسئلة طرحتها منذ عشرة سنوات وهي: كيف كانت المسيحية في القرن الأول والثاني والثالث؟ وهل ما أسمعه من علماء الاسلام صحيح عن تغيير وتحريف الديانة المسيحية؟ وإذا كان هناك تحريف لديانة المسيح عليه السلام فهل بقية شواهد على الديانة الصحيحة للمسيح عليه السلام؟ وكيف يمكننا تمييز الحقيقة عن الهرطقة؟ وبأية مرجعية؟
الواقع وفي تلكم اللحظة لم يكن لدي أدنى شك باعتباري مسلما بل ومسلما متدينا وحافظا للقرآن الكريم حول النظرية القرآنية، وفي النقل التاريخي للقرآن باعتباره كلمة الله. لكن سرعان ما تبين لي أن هذا المعتقد إن صح في مجال الايمان الدوغمائي فهو لا يصح في المجال العلمي الموضوعي. والسبب كما وضح توماس طمسن يرجع إلى "أن افتراض أن حكايات الكتاب هي روايات للماضي يؤكد وظيفة لنصوصنا تحتاج إلى إثبات عندما تتنافس مع وظائف أخرى أكثر وضوحا"(طمسن، 2006 صفحة 11). ومعنى هذا الكلام كون نصوص القرآن لم تعد بروايتها للأحداث التاريخية الدينية منفردة بطابعها الإيماني الصرف ولكنها بدأت تزاحم مجالات اخرى وحقولا معرفية أوسع. فصارت تتخذ لنفسها وظيفة أخرى، وبالتالي فعليها أن تخضع للإثبات التاريخي للتأكد العلمي الموضوعي والمادي من المعلومات التي تبوح لنا به
إني وعلى الرغم من دراستي للكتاب المقدس –منذ سنة 1992 إلى الآن-فإني لم أقتنع يوما بالرواية القانونية عن المسيح عليه السلام. وبما أن للمسيح عيسى بن مريم مكانة خاصة في قلبي باعتباره شخصا ضحى في سبيل قضيته إلى أقصى حد وهو من أولي العزم من الرسل في الإسلام. ونظرا لكون الأسئلة تحتاج إلى أجوبة، فطبيعي أن نبحث عنها في بطون التاريخ. لا أقول التاريخ الاسلامي ولكن التاريخ المسيحي نفسه. فهو على تحيزه للمعتقد القانوني الذي اعتُمد في اوائل القرن الرابع الميلادي باعتباره تدوين المنتصرين ضد المنهزمين، فقد أبقى على شوارد واشارات أحيانا تكون قوية على الحالة اللاهوتية والليتورجية للعالم المسيحي خلال القرون الثلاثة قبله
ومن الجدير بالذكر أن قانون الايمان النيقاوي، كان ثمرة الفكر اللاهوتي الخاص بكنيسة معينة، لم تستطع حيازة الجماعة المسيحية الأولىالمتصارعة. وقد حاول الآباء الذين كتبوا باليونانية شرح وتدقيق التعابير والنقاط الحاسمة في الإنجيل، والتي قد تكون تعرضت للتحريف والفهم تحت تأثير الفكر الهلليني واليهودية المتهلنة. وفي هذا الصدد كان الوضع المركزي ليسوع المسيح"الابنالمتجسد" في ايمان الكنيسة، يتطلب الاجابة بوضوح على السؤال: عما إذا كان هو إلها أو أنه مجرد مخلوق متوسط بين الله والإنسان كسائر الأنبياء؟ واين هو الخط الفاصل بين الله والخليقة؟ وبين الله والآب ويسوع المسيح؟ أو بين يسوع المسيح ابن الله المتجسد وبين العالم؟ والظاهر من التاريخ وماجريات الصراع الطائفي الذي ألقى بظلاله على مجمع نيقية والتدخل السياسي لقسطنطين لصالح طائفة على حساب أخرى، مع ما صاحبه من الانتقائية في دعوة الأساقفة المخالفين، كلها أسئلة ألقت بظلالها على البحث التاريخي لهذه القضية، ومدى المصداقية التي اكتسبتها قرارات هذا المجمع
لقد صار للكنيسة قانونها الخاص،المستفتى عليه ديمقراطيا. وصار واضحا للكنيسة في القرن الرابع أنه فقط عن طريق فهم الإنجيل على أساس عقيدة الثالوث المقدس، نستطيع أن ندرك تعاليم إنجيل العهد الجديد المنقح عن المسيح والروح القدس. حيث كان مركز الاعتراف بالإيمان يدور حول اعلان الواحدية في ذات الجوهر بين المسيح والله لأن الله في الإنجيل قد أعلن ذاته كآب وابن وروح قدس
لقد لاقى هذا المعتقد الصاعد والذي بدى كأنه نهاية الجدل حول لاهوت المسيح والله قبولا واسعا! لكن التاريخ يقول غير ذلك. فقد اعترضت جل الطوائف المسيحية الأولى في العالم المسيحي على هذه القرارات. خصوصا طائفة آريوس وأصحابه الذين طالما اعتبروا ألوهية المسيح المساوي للآب في الجوهر والثالوث المقدس ضربا من ضروب الأساطير والعقائد الشعبية الوثنية المنتشرة في العالمالروماني آنذاك. وكانوا دائمي التشبيه لعقيدة الثالوث بالعقيدة المثرائية والهلنستية المؤلهة للبشر والرافعة للقديسين إلى مستوى الآلهة المعبودة. وقد خاضوا مع دعاة مجمع نيقية مجادلات عميقة حول لاهوت المسيح وعلاقته بالله الآب
1-أهمية موضوع الدراسة
وكما بينت آنفا، فهذا البحث ينصب على دراسة الأنماط العقائدية واللاهوتية التي سبقت ميلاد الديانة المسيحية الرسمية. وهذا أمر مهم جدا في تصوري، داخل مجال النقد الديني واللاهوتي للأديان. لأنني ومن خلال تتبعي لتاريخ الأديان عموما وتاريخ المسيحية على الخصوص، سنؤكد أو نعترض على مدى علمية وموضوعية القرآن الذي هو مرجعية أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم. وكلهم يعتقدون ضياع ديانة المسيح كما نزلتمن الله. وهذا اعتقاد خطير لأنه يؤدي الى ابطال خلاص الملايين من البشر إن صحت هذه الأطروحة!! وهذا من جهة. ومن جهة ثانية: خدمة الحقيقة التاريخية، ومحاولة استكشاف اللاهوت السري للطوائف القريبة العهد من المسيح أو من تلاميذه. خصوصا وان هذه الطوائف لم تزل تشهد حملة من الاضطهاد الداخلي، وهو امتداد للعلاقة المتوترة التي كانت بين الحواريين أنفسهم حول سوء التعليم الذي قدمه بعضهم ما اعتبره البعض الآخر خروجا عن تعاليم الإنجيل