الانسان والقداسة
الانسان والقداسة
في ضوء فعل المحايثة ومحاولة العيش في كنف ذلك الفوقي، ومع تزايد منظومة التواصل معه، تبلور "المقدس"والذي هو وليد حتمي لطبيعة علاقة البشر مع ذلك العالم العلوي، فتم الاعتقاد أن المقدس ليس صفة ثابتة في الأشياء؛ بل تم وصفه على أنه هبة سرية تخلع على ما تستقر عليه سحرا وجلالا، فتكون النتيجة: الدّهشة والشغف والرهبة والخوف لكينونته،لهذاتم نعت المقدس على أنه قوة من العتوّ والخفاء، ولا يقبل الترويض ولا التجزئة، وفي ظل هذه المعطيات كان على الإنسان:الشعور بالرهبة اتجاهه؛ طمعا في خيره، أو خوفا من عقابه
وأقام الإنسان آلية تتولى تنظيم علاقته مع المقدس، وفي الغالب ظهرت هذه الآلية في فعل الطقوس، مع الاستناد إلى الرموز كمسلك والأسطورة كأداة، وفي ظل هذه التصورات عاش الإنسان بين عالمين، عالم المقدس الذي شعاره الرهبة والجلالة والعظمة والقداسة ؛ وآمن الإنسان القديم بأن هذا العالم المقدس يبقى مصدر كلسؤدد ونجاح وتقدم، وفي الجهة المقابلة يأتي العالم الدنيوي الواقعي العادي، لهذا آمن الإنسان القديم بتعارض المقدس مع ذلك الدنيوي، ولهذا سعى ذلك الإنسان إلى صيانة المقدس من مطامع الدنيوي، الساعي لإفساده وترويضه من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية سعى إلى الحيلولة دون احتكاك المقدس مع الدنيوي ؛ خوفا مما سيترتب من مهالك نتيجة هذا الاحتكاك
إن الرهبة والقوة والعُتوّ، ومختلف الصفات التي نُعت بها المقدس ؛ جعلته الممنهج لنمط تفكير الإنسان القديم ؛ والمُحدد لرؤيته للكون ؛ بل وجعلته المؤسس لمنظومة القيم لذلك الإنسان، فسيطر بذلك المقدس على مظاهر الحياة في شتى مجالاتها، وأصبح الشغل الشاغل لذلك الإنسان ونظرا لحتمية هذه المعطيات ؛ كان منطقيا أن تتولد منظومة من الأساطير والطقوس التي وجهها الإنسان القديم لمناشدة المقدس ومحاولة فهمه وبلورته، فنسجت الأساطير والتي كانت بمثابة النمط الفكري للإنسان القديم، وتنظيراته حول ما يدور حوله من أحداث وتطلعات، وتبلورت الطُقوس وكانت بمثابة بعده العملي، وكل هذا كان نتيجة حتمية فرضها الاعتقاد البشري حول كينونة المقدس